بتـــــاريخ : 10/22/2008 8:05:52 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1419 0


    ماء الرغبة المفطوم

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    لم ننتظرْ تلويحةَ الشفقِ الأخيرةَ‏

    كي نرى قوسَ الحمامِ‏

    يطيرُ حولَ عروسةِ الشمسِ‏

    التي زُفّتْ إلى كوخِ الغروبِ‏

    بأجملِ الأصواتِ..‏

    لم نسمعْ زغاريدَ العصافيرِ‏

    التي هّبتْ من الرمانِ‏

    حاملةً على الشهواتِ سيفَ زقائها المسنونَ‏

    أو قمرَ الشغفْ.‏

    ***‏

    ينسلّ خلفِ غمامةٍ بيضاءَ كالأفعى‏

    وفي نهر العشيّاتِ الوئيدِ‏

    يصيرُ تمثالاً من البلورِ مزهوّاً بنطفتهِ..‏

    ويملأُ ليلنا الأعمى‏

    بأزهارِ الصدفْ.‏

    ***‏

    كانَ الهواءُ يمرُّ كالأجراسِ‏

    عبر سنابل القمحِ الطويلةِ‏

    بينما الفتيات في سمرٍ‏

    تنقّلُ شعرها المسودَّ‏

    بين أناملِ الأمشاطِ‏

    والقداحُ يملأُ أعينَ العشاقِ‏

    بالعطشِ المندّى والنطفْ.‏

    ***‏

    وعلى ضفافِ النهرِ كانت وحدها‏

    امرأةُ الصباحِ‏

    تفضُّ أحزانَ الغسيلِ من الدموعِ،‏

    وتنشرُ القمصانَ مثلَ (حمائم) بيضاءَ‏

    في حبل الغروبِ..‏

    وحينَ تسمعُ روحها صوتَ الخريرِ‏

    تذوبُ ركبتها الشهيّةُ‏

    في زلالِ الماءِ كالصابونِ..‏

    والأمواجُ تجري تحتَ ساقيها‏

    كأسماكِ الخزفْ.‏

    ***‏

    لم أنتظرْ تلويحةَ الشفقِ الأخيرةَ‏

    كنتُ وحدي‏

    أستعيدُ مع الحفيفِ‏

    تراجعَ الموجِ الشجيّ على أديمِ الروحِ،‏

    والبوحَ الجريحَ لغفوةِ الأشجارِ‏

    مشدوداً كصوتِ الناي في الوادي‏

    لأسرابِ الحمامْ.‏

    ***‏

    متقلّداً سيفي على فرسِ الغيابِ‏

    الحرّ‏

    أقفو وحشةَ الأوعارِ في طرقِ الكآبةِ‏

    أو أسابقُ عقربَ الساعاتِ‏

    بالجريانِ فوقَ الرملِ حتى‏

    درّةِ الموتِ الحرامْ.‏

    ***‏

    أبداً على الإطلاقِ‏

    لم أشعرْ بأجمل من عناق الريحِ‏

    في هذا المدى المخضرّ‏

    يضرمني صهيلُ المهرِ في البريّة الزهراءِ‏

    بالشهواتِ‏

    والأنهارُ تحملني على جرسِ الخريرِ‏

    العذبِ..‏

    فيما صوتها العالي‏

    يرقّصني على نغمِ الهزامْ.‏

    ***‏

    لكأنني فصحٌ ترجّعه على الأعيادِ‏

    غاباتٌ من الأجراسِ‏

    مسكرةُ الرنين‏

    وكلما هبّ النسيمُ‏

    سمعتُ صوتاً رائعَ الأصداءِ‏

    يذروني كموّالٍ على برِّ الشآمْ.‏

    ***‏

    ثملٌ كأني طائرُ الصبحِ‏

    المحلّقُ في جبالِ الريحِ‏

    أهبطُ ثم أعلو مثلَ أغنيةٍ‏

    تموّجها على سفحِ الأناشيدِ‏

    الجداولُ‏

    والمواسمُ‏

    والغمامْ.‏

    ***‏

    أنا طفلُ هذا السهلِ‏

    لم تكبْر سوى الأشجارِ من حولي‏

    ولم يهرمْ سوى القمحِ‏

    الذي راكضتهُ يوماً بأعراسي‏

    لأنجو من نباحِ الإثم في روحي..‏

    ولم يذهبْ سوى النهرِ الذي‏

    يجري كطفلٍ خائفٍ‏

    عكسَ اتجاه الموتِ‏

    من جيبِ الجبالِ إلى المصبّْ.‏

    ***‏

    وأنا الحزينُ على ضفاف العمرِ‏

    ما شاهدتُ امرأةً‏

    ولكن صوتَ أغنيةٍ‏

    رعتْ حزني على مجرى الغديرِ..‏

    سمعتهُ يعلو كأسرابِ الإوزِّ‏

    على الأديمِ‏

    فطّيرتْ روحي (عصافيراً) من الأشواقِ‏

    نحو فضائها الشفافِ..‏

    ما شاهداتُ امرأةً‏

    ولكن طفلةً جلستْ لتملأَ بالخريرِ‏

    الحلو جرّتها الذهب.‏

    ***‏

    شاهدتها ذاكَ الصباحَ الطلقَ‏

    أجملَ من حمامةِ ليلكٍ بيضاءَ..‏

    تسقيها الطبيعةُ من لقاحِ اللوزِ‏

    طلاّ طاهراً كالدمعِ...‏

    فالتفّتْ على عنقي (زغاريدٌ)‏

    مصفّاةٌ من الأعراسِ..‏

    قادتني كطفلِ الشهوةِ المكفوفِ‏

    في ديّارةِ الحزنِ النسائيّ المقدّسِ‏

    حيث يعزفُ عاشقٌ بالناي‏

    لحناً خالصاً للموتِ‏

    والأشجارُ تزهرُ بالدموعِ وبالعنبْ.‏

    ***‏

    لامستها وأنا أدورُ كهدهدٍ‏

    من حولها‏

    فرأيتُ عنقوداً من النحلِ الغزيرِ‏

    يعبُّ من زهرِ الأنوثةِ‏

    بينما طيرا حمامٍ أبيضانِ‏

    يعمّدانِ هديلَ أعضائي‏

    بماءِ الرغبةِ المفطوم‏

    في مجرى العصبْ.‏

    ***‏

    وعلا حفيفُ القمحِ حول أكفّنا السمراءِ‏

    راح الخوخُ يسقطُ في سلالِ الريح‏

    من تلقاءِ حمرتهِ‏

    ويركضُ ثعلبُ العنبِ المذهّبُ‏

    كالموشّحِ في سهوبِ الناي‏

    محمولاً على جملِ الطربْ‏

    ***‏

    فسمعتُ صوتَ النهرِ في الإبريقِ‏

    أعذبَ من خريرِ الماءِ في المجرى،‏

    وأصواتَ الثرياتِ الصغيرةِ‏

    في ليالي العشقِ‏

    والقمرَ الأحبّْ.‏

    ***‏

    لكنَّ أجراسَ الخريرِ‏

    استسلمتْ للنومِ‏

    تحت تنهّدِ الأشجار‏

    فاستلقتْ كجيتارٍ جريحٍ‏

    فوقَ مهدِ الموجِ..‏

    تحملها كؤوس الوقتِ كالساعاتِ،‏

    والأكوازُ تتبعها بأحزان الشموعِ‏

    حزينةً!‏

    والنهرُ يجري صامتاً‏

    خلفَ النعشْ.‏

    ***‏

    وحططنَ سبعُ (حمائمٍ) بيضاءَ‏

    في حبلِ الغروبِ‏

    ينحنَ فوق النهرِ‏

    والأوراق تسقطُّ من غصون اللوزِ‏

    كالقبلاتِ ذابلةَ الشفاهِ..‏

    سوي قناديل النبيذِ الحمرِ‏

    لم تيئَسْ من التحديقِ‏

    في وجهِ الغبشْ.‏

    ***‏

    ذاكَ الزمانُ الآن لن تسمعْ صداه..‏

    إذا أصختَ السمعَ في هذا المدى‏

    إلا كصوتِ الحسرةِ المجروحِ،‏

    لن تبصرْ من النهرِ القديمِ‏

    سوى هلالٍ ضائعٍ‏

    يعلو على المجرى‏

    كتمثالِ العطشْ.‏

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()