ما هى مكانة السلم فى الإسلام ؟
والجواب :
لا شك أن السِّلم والأمن الدوليين من ناحية، والتقدم الاجتماعي والإنماء الاقتصادي من ناحية أخرى - أمور وثيقة الترابط متبادلة التأثير، وعلى نقيضه فإن العنف والحرب لهما تأثير سلبي على مسيرة التقدم، ورفاهية المجتمع المسلم.
وحتى تتضح هذه المعاني، ويمكننا الحكم عليها بالرفض أو القبول، فلابد أولا أن نذكر معاني هذه الكلمات في لغة العرب؛ كي ترتسم الصورة الحقيقية لهذه الألفاظ في الذهن، كي يتسنى لنا الحكم عليها فإن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
فالسِّلْمُ في اللغة العربية بالكسر: السَّلامُ، والسلام اسم من أسماء الله تعالى. والسَّلامُ في الأَصل السَّلامة. يقال: سَلِمَ يَسْلَمُ سَلامًا سَلامة ومنه قيل للجنة: دار السَّلام لأَنها دار السَّلامة من الآفات. وقال الزجاج: سُمِّيَتْ دارَ السَّلامِ لأَنها دارُ السلامَة الدائمة التي لا تنقَطع ولا تَفْنى وهي دار السَّلامة من الموت والهَرَمِ والأَسْقام، والسَّلِيمُ اللديغ كأنهم تفاءلوا له بالسلامة.
أما الحَرْبُ في اللغة: فهي نَقِيضُ السِّلم، أُنثى، قال الأزهري: أَنَّثُوا الحَرْبَ لأَنهـم ذَهَبُوا بها إلى المُحارَةِ، وكذلك السِّلْمُ والسَّلْمُ يُذْهَبُ بهما إلى المُسالمةِ فتؤنث. وأَصلُها الصِّفةُ كَأَنها مُقاتَلَةٌ، حَرْبٌ، وجمعها حُرُوبٌ. وقد حارَبه مُحارَبةً وحِرابًا، وتَحَارَبُوا واحْتَرَبُوا وحارَبُوا بمعنى. ورجُلٌ حَرْبٌ ومِحْرَبٌ - بكسر الميم - ومِحْرابٌ: شَديدُ الحَرْب.
والرِّفْقُ في لغة العرب: ضد العنف وقد رَفَقَ به يرفق بالضم رِفْقًا ورَفَقَ به وأرْفَقَهُ وتَرَفَّقَ به كله بمعنى، وأرْفَقَهُ أيضا نفعه والرِّفْقَةُ الجماعة ترافقهم في سفرك بضم الراء وكسرها أيضًا والجمع رِفَاقٌ تقـول منـه رَافَقَهُ وتَرَافَقُـوا في السفر والرَّفِيقُ المُرَافِقُ والجمع الرُّفَقَاءُ فإذا تفرقوا ذهب اسم الرفقة ولا يذهب اسم الرفيق وهو أيضًا واحد وجمع كالصديق قال الله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}(1 ).
وأمـا العُنْفُ فهو في اللغـة: بالضـم ضد الرفق تقول منه: عَنُفَ عليه بالضم عُنْفا وعَنُفَ به أيضا والتَّعْنِيف التعيير: واللوم، وعُنْفُوانُ الشيء: أوله.
هذه معاني الكلمات الأربعة: السلم، الرفق، الحرب، العنف، والتي سيدور موضوع مقالنا هذا عن الآثار الإيجابية للسلم والرفق في تقدم المجتمعات المسلمة، وكذلك الآثار السلبية لكل من الحرب والعنف على مسيرة الشعوب المسلمة في التقدم الحضاري.
ولا شك أن الإسلام أمر بتعمير الأرض إذ قال الله سبحانه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}(2 )، وقد جعل الله القيام بالوظائف والأعمال التي يحتاج إليها الناس في معاشهم من الفروض، ولم يجعلها من المباح أو المستحب، وقد أجمع أهل العلم أن المريض في المجتمع المسلم إن لم يجد طبيبًا، فقد نال الإثم والعقاب كل المجتمع، وكذلك في مجال التجارة والصناعة، وما عليه استقرار معايش الناس، فالتقدم في المجتمع المسلم، هو الوصول إلى أعلى مستويات خدمة المجتمع في جميع مجالات حياته، كالوصول لأعلى مستويات الحفاظ على صحته وبدنه، وكذلك الوصول لأعلى مستويات التعليم، وأعلى مستويات المواصلات والاتصالات، وتوفير مياه الشرب، وما إلى ذلك من حاجات ضرورية، ولا شك كذلك أن من سعى لتوفير هذه الخدمات لتحقيق خدمة المجتمع هو مأجور عند الله وممدوح عن خلقه جميعًا.
وقد ساهمت الحضارة الإسلامية بنصيب وافر في تقدم مختلف مجالات العلم والطب والمنجزات التي تحققت في العالم قديمًا وحديثًا، وما تخلفت الأمة عن مسايرة ركب الحضارة في كثيـر من المجـالات إلا بسبب الحروب التي شنها عليها غيرهم من المستعمرين الطامعين في خيراتها، وما عندها من موارد طبيعية، وعلمية استفاد منها رواد النهضة الحديثة في فرنسا.
ومن هذا نعلم لماذا حثَّ الإسلام على السلم والأمن، وما لهما من تأثير بالـغ الأهمية على استقرار حياة البشر وتقدمها في جميع المجالات، ولكي نعلم مدى تأثير السلم والأمن على التقدم بالنسبة للشعـوب، فعلينا أن نلقي نظرة على الآثار المدمرة للحروب على الشعوب والتقدم والرقي، فكما يقال: الضدُّ يُظهر حُسنه الضدُّ، فإن أول مقومات الرقي والتقدم للأمة هي صلاحية أفراد المجتمع صحيًّا وبدنيًّا لأداء وظائفهم، فعندما نعلم أن للحروب والعقوبات الاقتصادية آثارًا وخيمة على صحة الأمم وعافيتها.
فقد اتضح من الدراسات أن هذه الأحداث قد سبَّبت من الوفيات وحالات العجز أكثر مما سبَّبه أيُّ مرض من الأمراض الرئيسية. فقد دمَّرت الحروب المجتمعات والأُسَر، وغالبًا ما كانت السبب في وقف تطوُّر النسيج الاجتماعي والاقتصادي للأمم.
وقد شملت آثار الحروب والعقوبات الاقتصادية إلحاقَ أضرار بدنية ونفسية طويلة الأمد بالأطفال والبالغين، وانخفاض رأس المال المادي والبشري. كما كان لفرض عقوبات اقتصادية على البلدان آثارٌ صحية سلبية، غالبًا ما عرقلت تشغيل القطاع الصحي.
فالحرب العالمية الأولى كانت حصيلتها 30 مليون قتيل فيما كانت حصيلة الحرب العالمية الثانية 54.8 مليون قتيل إضافة إلى المعاناة الإنسانية الضخمة وآلاف المليارات من الخسائر المادية وتورط العالم بأسره بشكل أو بآخر في هذه الحروب والثورات والقلاقل، وما زال بعضها مستعمرًا من حولنا كفلسطين، والعراق حديثًا، وما في جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا وكما في يوغسلافيا وأفغانستان وغيرها.
فإن الحروب تعمل على تدمير الحياة وانهيار الاقتصاد، كما أنها تحد من طموحات الإنسانية في تحقيق حياة سعيدة في بيئة آمنة، فضلا عن تلوث البيئة واستهلاك الجزء الأكبر من الموارد التي يجب أن توضع في خدمة محاربة الفقر وفي تحقيق التنمية المستدامة.
أما عن آثار التلوث فحدث ولا حرج، ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك 21401 موقعًا ملوثًا تلوثًا كبيرًا والعديد منها ملوث بالإشعاعات العالية بسبب تفجير 1800 قنبلة هيدروجينية في مختلف أنحاء العالم خلال العمليات التجريبية تم تفجير ربعها في الجو وينتج التسلح 97% من مخلفات المواد عالية السُّمِّية و78% من المواد ذات الخاصية الإشعاعية المتوسطة والمنخفضة السمية أي: ما يعادل 1.4 مليار كوري وهذا يساوي 28 ضعف الإشعاعات التي أطلقتها حادثة تشيرنوبل (50 مليون كوري).
ويحدث كل هذا تحت ظروف التدريب العادية بدون نشوب الحروب، ودعونا نلق نظرة على الإرث الذي خلفته لنا الحرب الباردة: المليارات المؤلفة تم صرفها خلال سباق التسلح، ومليارات مؤلفة أخرى يجب صرفها الآن للتخلص من فائض هذه المعدات الخطيرة، كميات هائلة من المخلفات الحربية الخطيرة يجب التخلص من سميتها ومن ثم التخلص منها، ومواقع لا تعد ولا تحصى تلوثت تربتها ومياهها تنتظر إعادة تأهيلها وتنظيفها، وتلال من الأسلحة الفائضة من الطراز القديم يجب أن يجري تفكيكها بطريقة مقبولة (آمنة بيئيًّا)، ففي ألمانيا وحدها هناك حوالي 5000 عبء من هذا النوع خلفتها جيوش الروس والأمريكان وجيش ألمانيا الشرقية سابقًا وراءها، وتقدر كلفة التخلص من هذه المواد مليون مليون مارك ألماني.
فإن الحرب خلفت الخسائر في الأرواح، ومعاناة الجرحى، ومشوهي الحروب، إضافة إلى تراجع القيم الإنسانية، وفساد المعتقدات والقيم، والآثار السلبية على الإنسان والطبيعة تفوق بكثير المكاسب التي جناها المنتصر من الحرب.
كل ذلك وغيره الكثير يجعلنا على يقين تام بأنا - نحن المسلمين والعالم من حولنا - في أشد الحاجات للسلم والأمن من أي وقت آخر؛ لأنه لا سبيل للوصول إلى التقدم المنشود الذي هو غاية كل حكومات العالم إلا عن طريق السِّلم، وإن آثار حرب واحدة كفيلة بتأخير الأمة مئات السنين فضلا عن توقفها بلا تقدم في هذه السنوات.
وقد كانت الحروب والصراعات منذ القدم والفساد وسفك الدماء، أسباب إرسال الله للرسل، وإنزال الله للكتب، وكانت هذه هي الوظيفة الأساسية لكل الديانات السماوية، وعملت تلك الأديان على إنقاذ البشرية من ظلمات الجهالة، وأدخلت في قلوب الناس الإيمان والطمأنينة من خلال تعاليمها السماوية وسلوك المؤمنين بها، لما للدين من تأثير كبير على السلوك والفكر والشعور، ولقد تجلى هذا التأثير واضحًا في التراث الإسلامي كما يمكن ملاحظته من خلال التأثر الهائل في الحياة اليومية للمسلمين، فالإسلام منهج حياتي وميثاق شرف ونظام قانوني يتخلل حياة المسلم بكافة وجوهها.
فالإسلام الحنيف جاء إلى البشرية ليخرجها من الاستبداد والجور، ويأخذ بيدها نحو العدالة والأمان، لا أن يرمي بها في متاهات البطش والعنف التي لا يجنى منها سوى الويلات والآهات.
ودعوة الدين الإسلامي للسلم والسلام العالمي صريحة وواضحة وليس هناك أبلغ من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(3 ). ففي هذا البيان القرآني البليغ، الذي ساقه الله سياق الخبر، هذا الخبر الذي تحلَّى بأقوى أساليب الحصر والقصر، فالله ينفي كل الأغراض التي قد يتوهم المشككون أنه صلى الله عليه وسلم أُرسِل من أجلها، فمن توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله لقتل الناس، أو لسرقة أرضهم وممتلكاتهم، أو لسفك الدماء - حاشاه الله - يفسد ظنه، ويُخَيِّب رجاءه الخبيث عندما يقرأ هذه الآية.
بل إن الله أمر بالسلام والدخول فيه صراحة في كتابه العزيز فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(4 ). وقال جل شأنه: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ }(5 ).
وفي السُّنة كانت كذلك دعوة الإسلام للسلام صريحة، فعن عمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم»(6 ).
وما شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف، ويكفي في الرد على هذه الحالة من الافتراء ما أمر الله به من العدل والإنصاف، وعدم خلط الأوراق، والبحث عن الحقيقة كما هي، وعدم الافتراء على الآخرين، حيث قال سبحانه في كتابه العزيز: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(7 ).
ومقارنة بما ذكر من وحشية في الحروب، وسفك الدماء وخراب ودمار للبلاد والعباد من حروب المعتدين - نجد أن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نظيفة من هذه التهم، بل إن تحركاته العسكرية التي بلغت نحو ثمانين غزوة وسارية كانت كلها بسبب دفع الظلم ورد العدوان، فلم يحدث القتال الفعلي في كل هذه التحركات سوى في سبع مواقع فقط في سيرته صلى الله عليه وسلم أثناء نشره للدعوة الإسلامية.
وسوف تجد نتائج مذهلة في هذه المواقع منها: أن المحاربين كانوا كلهم من قبائل مُضَر أولاد عمه صلى الله عليه وسلم ولم يقاتله أحد من ربيعة ولا قحطان، وأن عدد القتلى من المسلمين في كل المعارك 139، ومن المشركين 112، ومجموعهم 251، وهو عدد القتلى من حوادث السيارات في مدينة متوسطة الحجم في عام واحد، وبذلك يكون عدد القتلى في كل تحرك من تلك الثمانين 3.5 شخص، وهذا أمر مضحك مع ما جُبِلَ عليه العرب من قوة الشكيمة والعناد في الحرب أن يكون ذلك سببًا لدخولهم الإسلام وتغيُّر دينهم؛ مما يؤكد أن الإسلام انتشر بعد ذلك بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها، وإنما إقامة العائلات بين المسلمين وغيرهم، وعن طريق الهجرة المنتظمة من داخل الحجاز إلى أنحاء الأرض.
وهناك حقائق حول هذا الانتشار، حيث يتبيَّن أنه في المائة عام الأولى من الهجرة كانت نسبة انتشار الإسلام في غير الجزيرة كالآتي: ففي فارس (إيران) كانت نسبة المسلمين فيها هي 5%، وفي العراق 3%، وفي سورية 2%، وفي مصر 2%، وفي الأندلس أقل من 1%.
أما السنوات التي وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 25% من السكان فهي كالآتي: إيران سنة 185هـ - العراق سنة 225هـ - سورية 275هـ - مصر 275هـ - الأندلس سنة 295هـ. والسنوات التي وصلت نسبتهم فيها إلى 50% من السكان كانت كالآتي: بلاد إيران 235هـ - والعراق 280هـ - وسورية 330هـ - ومصر 330هـ والأندلس 355هـ. أما السنوات التي وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 75% من السكان فكانت كالآتي: بلاد إيران 280هـ - والعراق 320هـ - وسورية 385هـ - ومصر 385هـ - والأندلس سنة 400هـ.
كما أنك ستلاحظ أن هذا الانتشار الإسلامي تميز أيضا بخصائص منها: عدم إبادة الشعوب، ومعاملة العبيد معاملة راقية بعد تعليمهم وتدريبهم وتوليتهم الحكم في فترة اشتهرت في التاريخ الإسلامي بعصر المماليك، والإبقاء على التعددية الدينية من يهود ونصارى ومجوس حيث نجد الهندوكية على ما هي عليه وأديان جنوب شرق آسيا كذلك، وإقرار الحرية الفكرية فلم يعهد أنهم نصبوا محاكم تفتيش لأي من أصحاب الآراء المخالفة، كما اتسمت بالعدل في توزيع ثروات الدول التي دخلها الإسلام، فقد ظل إقليم الحجاز مصدر الدعوة الإسلامية فقيرا حتى اكتشاف البترول في العصر الحديث.
وقد شهد بهذه الحقيقة كثير من غير المسلمين في العصر الحديث، فالمفكر "لورد هدلي: يقف مندهشا عند معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى من المشركين في معركة بدر الكبرى، ملاحظا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: "أفلا يدل هذا على أن محمدًا لم يكن متصفا بالقسوة ولا متعطشًا للدماء، كما يقول خصومه؟ بل كان دائمًا يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها، وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين، بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية.
ويقول الفيلسوف الفرنسي (وولتر): "إن السنن التي أتى بها النبي محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدي غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض، حتى زنوج أواسط إفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندي".
أما العالم الأمريكي (مايكل هارت) فهو يرد نجاح النبي صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته وسرعة انتشار الإسلام في الأرض إلى سماحة هذا الدين وعظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختاره على رأس مائة شخصية من الشخصيات التي تركت بصماتها بارزة في تاريخ البشرية، ويقول: "إن محمدًا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقا في المجالين الديني والدنيوي، وأصبح قائدًا سياسيًّا وعسكريًّا".
وهذا (توماس كارليل) يقول في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة": «إن اتهامه - أي: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها".
ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب - وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده: "قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة..... ولم ينتشر القرآن إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل ما زاد عدد المسلمين على خمسين مليون نفس فيها".
وفي الختام نؤكد على ضرورة السلم والأمن كأساس هام من أسس التقدم في المجتمعات الإسلامية، ونرجو أن نكون وفقنا في عرض هذه الفكرة، وكذلك محو شبهة التعارض بين الإسلام والسلم والأمن، أو شبهة انتشار الإسلام بالسيف.
والله نسأل وبنبيه صلى الله عليه وسلم نتوسل أن يجعل أيامنا كلها سلام وآمان، وأن يتقدم المسلمون في كل مجالات الحياة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
--------------------------
( 1) من الآية 69 من سورة النساء.
( 2) من الآية 61 من سورة هود.
( 3) الآية 107 من سورة الأنبياء.
( 4) الآية 208 من سورة البقرة.
( 5) الآية 61 من سورة الأنفال.
( 6) أخرجه البزار (4/ 232) حديث (1396)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 56) وقال: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، إلا أن شيخ البزار لم أر من ذكره، وهو الحسن بن عبدالله الكوفي»، وذكره البخاري في «صحيحه» تعليقًا من قول عمار رضي الله عنه في كتاب «الإيمان» عقب باب «إفشاء السلام من الإسلام».
( 7) من الآية 71 من سورة آل عمران.
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة