إن هذه المسألة خلافية . والمتفق عليه أنه لم يرد عن أحد من السلف أنه قرأ القرآن وأهدى ثوابه إلى الميت . وأما المتأخرون فقد اختلفوا : فمنهم من أجازه ومنهم من منعه . فقد جاء في تنقيح الحامدية لابن عابدين ما نصه ( واختلفوا في وصول ثواب قراءة القرآن إذا قال القارئ اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان قال بعضهم لا يصل إليه لأنه ما هو من سعى الميت ، والإنسان ليس له إلا ما سعى ، وقال بعضهم يصل وهو المختار ) وجاء في الهداية والفتح والبحر وغيرها ـ أن لكل من أتى بعبادة سواء كانت صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة قرآن أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة أو غير ذلك من أنواع البر أن يجعل ثوابها لغيره من الأحياء أو الأموات ويصل ثوابها إليه ـ وقد روى صاحب الفتح عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ـ فقال السائل يا رسول الله : إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم هل يصل ذلك إليهم قال نعم إنه ليصل إليهم وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق يهدى إليه أ هـ ـ وأما قوله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) فهو مقيد بما إذا لم يهد ثواب عمله للغير كما حققه صاحب الفتح ، وقال الشوكاني في نيل الأوطار وعموم الآية مخصوص بالصدقة والصلاة والحج والصيام وقراءة القرآن والدعاء من غير الولد أ هـ . وأصل مذهب المالكية كراهة قراءة القرآن للميت . وذهب المتأخرون إلى جوازها وهو الذي جرى عليه العمل ، فيصل ثوابها إلى الميت. ونقل ابن فرحون أن الراجح كما ذكره ابن زيد في الرسالة ، وقال الإمام ابن رشد محل الخلاف ما لم تخرج القراءة مخرج الدعاء بأن يقول قبل قراءته اللهم أوصل ثواب ما أقرؤه لفلان فإن خرجت مخرج الدعاء كان الثواب لفلان قولا واحدا وجاز من غير خلاف . وقال القرافى من أئمة المالكية وهذه المسألة وإن كان مختلفا فيها فينبغي للإنسان أن لا يهملها فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور خفية عنا . وذهب الحنابلة إلى وصول ثواب جميع العبادات والقربات إلى الميت وانتفاعه بها إذا جعل ثوابها إليه . وذهب الشافعية في المشهور إلى وصول ثواب القربات إلى الميت ما عدا العبادات البدنية المحضه كالصلاة والصوم وتلاوة القرآن والذكر وذهب المتأخرون منهم إلى وصول ثواب ذلك إلى الميت، ويتصل بهذه المسألة الدعاء للميت . وقد نقل ابن عابدين إجماع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم لقوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) ولقوله عليه السلام اللهم اغفر لأهل البقيع وقوله : اللهم اغفر لحينا وميتنا ـ وقد شرعت الصلاة على الميت وهى دعاء له ، كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وولد يدعو له وعلم ينتفع به ـ وبهذا علم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
|