هذه الآية الكريمة جاءت كالدليل والتمثيل على الآية السابقة عليها، والتي فيها قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257] فأتى الله تعالى بحكاية ما كان من نبيه إبراهيم عليه السلام، إذ خاصمه هذا الرجل الطاغية في الله عزَّ وجلَّ وكان الجدير به مع إعطاء الله عزَّ وجل له الملك أن لا يفعل هذا.
والقرآن الكريم لم يذكر اسمه؛ لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجّة، والعبرة منها، وتعيين اسم الملك لا يُقدِّم ولا يؤخر في المضمون والعِبرة.
أما مَنْ ذكر أن اسمه نمرود هم بعض علماء التفسير، وبعضهم منهجه هو جمع كل ما قيل في معنى الآية، فيذكرون الآراء كلها، وقد يذكر قبل القول كلمة: "قيل" التي تفيد التَّضْعيف، وما فعلوه في تحديد أسماء مَنْ لم يذكرهم الله تعالى بأسمائهم هو اجتهاد منهم إن أصابوا فلهم أجران، وإن لم يصيبوا فلهم أجر واحد.
أما القول بأن النمروذ سابق على سيدنا إبراهيم بثلاثمائة سنة، فليس لدينا في التاريخ الموثَّق والْمُحقَّق ما يُثْبت أو ينفى أن اسم الملك الذي حاجّ إبراهيم الخليل في ربه هو النّمرود هذا، وإنما هو قصص تاريخي يحتاج إلى تحقيق.
وأخيرا إن صَحَّ ما قيل عن النمروذ بأن عهده سابق على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام بمئات السنين، فقد يكون هذا من باب تكرار الأسماء، ولا يوجد ما يمنع تكرار لاسم لأكثر من ملك في أكثر من عصر وتاريخ.
|