بتـــــاريخ : 11/10/2008 5:16:09 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1336 0


    أطول مدة للحمل

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org

    كلمات مفتاحية  :
    فتوى النساء المرأة المسلمة

    أجاز جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة أن تزيد مدة الحمل على تسعة أشهر، على خلاف بينهم في أقصى مدة، والذي اخترناه للفتوى هو ما قال به فقهاء الشافعية والحنابلة وهو أحد روايتين عن الإمام مالك ([1]) من أن أقصى مدة للحمل هي أربع سنوات.

        ودليل هذا هو الاستقراء، والاستقراء يكون دليلا في مثل هذه المسائل؛ لأنه لم يأت نص معين يحددها، فيكون تحديدها موكولا إلى الوجود الذي يعرف بالاستقراء ([2]).
        قال ابن خويز منداد المالكي: "أقل الحيض والنفاس وأكثره، وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد; لأن علم ذلك استأثر الله به, فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقدر ما أظهره لنا, ووجد ظاهرًا في النساء نادرًا أو معتادًا; ولما وجدنا امرأة قد حملت أربع سنين وخمس سنين حكمنا بذلك, والنفاس والحيض لَمَّا لم نجد فيه أمرًا مستقرًا رجعنا فيه إلى ما يوجد في النادر منهن"([3]).
        وقد حدث أن رصد التاريخ وجود حمل استمر أربع سنين؛ من ذلك ما رواه البيهقي أن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: إني حدثت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل"، فقال: سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين ([4]).
        وقال المبارك بن مجاهد: مشهور عندنا، كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، فكانت تسمى حاملة الفيل ([5]).
        وقال علي بن زيد القرشي أراني سعيد بن المسيب رجلا فقال: "إن أبا هذا غاب عن أمه أربع سنين، فولدت هذا وله ثنايا" ([6]).
        وقال رجل لمالك بن دينار: "يا أبا يحيى ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين في كرب شديد، فدعا لها، فجاء رجل إلى الرجل فقال: أدرك امرأتك فذهب الرجل، ثم جاء وعلى رقبته غلام ابن أربع سنين قد استوت أسنانه" ([7]).
        وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين. وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي, حكى ذلك أبو الخطاب الكلوذاني من الحنابلة ([8]).
        وهَرِم بن حيان حمُل به أربع سنين ولذلك سمي هَرِمًا ([9]).
        وورد أيضًا حالات امتد فيها الحمل أكثر من تسعة أشهر وأقل من أربع سنوات؛ فنقل ابن قتيبة أن الضحّاك بن مزاحم ولد وهو ابن ستة عشر شهرًا وقال: "وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين, فولدتني وقد خرجت سني"، وأن شعبة بن الحجاج ولد لسنتين، وأن الإمام مالك بن أنس حُمِل به أكثر من سنتين.
        قال الواقدي: سمعت نساء آل الجحاف من ولد زيد بن الخطاب يقلن: ما حملت امرأة منا أقل من ثلاثين شهراً ([10]).
         وهذا إذا تقرر وجوده , وجب أن يحكم به, ولا يزاد عليه; لأنه ما وجد, ولأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين؛ فقد رفعت إليه امرأة غاب عنها زوجها سنتين فجاء وهي حبلى، فهم عمر برجمها، فقال معاذ بن جبل: "يا أمير المؤمنين إن يك السبيل لك عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها"، فتركها عمر حتى ولدت غلامًا -قد نبتت ثناياه- فعرف زوجها شبهه، فقال عمر: "عجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر" ([11]). ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل, وروي ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما. إذا ثبت هذا فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه, ولم تكن تزوجت, ولا وطئت, ولا انقضت عدتها بالقروء, ولا بوضع الحمل, فإن الولد لاحق بالزوج, وعدتها منقضية به .
        فإن قيل إن الطب الحديث لم يرصد أية حالة بلغ الحمل فيها هذه المدة، قلنا: إن الذي يوجبه الطب الآن أن الحمل إذا تجاوز عشرة أشـهر قام الطبيب بإجراء طلق صناعي أو عملية قيصرية، فلا غرابة إذن في انعدام وجود أمثال هذا الحمل الطويل أصلاً.
     
        ومن الملاحظات المهمة أننا في فتوانا ندعو إلى تفريق الأحكام، وتفريق الأحكام فكرة من الأفكار التي أبدعها العقل الفقهي المسلم، ولهذه الفكرة تطبيقات عدة في سائر الأبواب الفقهية.
         ونحن ندعو إلي تطبيق هذه الفكرة في هذه المسألة، فنقول للطبيب الذي عرض عليه حال امرأة تأخر وضعها: افعل ما توصل إليه العلم التجريبي، فلا تعرضها للهلاك بتأخير إجراء عملية الوضع، وإذا ما ادعت امرأة نسب ولد بعد المدة التي اعتبرها القانون لثبوت النسب لم يثبته له القاضي لأن الذي عليه العمل في القضاء أن أطول مدة للحمل عام.
        هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه المرأة التي أنجبت بعد فراق زوجها بأقل من أربعة أعوام لا تتهم بالزنا، وذلك لهذه الحالة التي رصدها الإمام الشافعي رحمه الله وغيره، والتي جعلت جمهور العلماء يرجحون أن هذه الفترة هي أطول فترات الحمل؛ فيكون هناك شبهة احتمال أن تكون هذه المرأة حالة شاذة نادرة، فيدرأ بها التهمة والحد عن المرأة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات والحيطة واجبة في الفروج وفى الدماء. هذا هو الفكر الراقى الذى لم يصل إليه بعد كثير من البشر.
        وقد أشار الإمام عز الدين بن عبد السلام إلى شيء من ذلك في قواعده، فقال: "إذا أتت الزوجة بالولد لدون أربع سنين من حين طلقها الزوج بعد انقضاء عدتها بالأقراء فإنه يلحقه مع أن الغالب الظاهر أن الولد لا يتأخر إلى هذه المدة. فإن قيل: إنما لحقه لأن الأصل عدم الزنا وعدم الوطء بالشبهة والإكراه, قلنا: وقوع الزنا أغلب من تأخر الحمل إلى أربع سنين إلا ساعة واحدة، وكذلك الإكراه والوطء بالشبهة، ولا يلزم على ذلك حد الزنا؛ فإن الحدود تسقط بالشبهات, بخلاف إلحاق الأنساب؛ فإن فيه مفاسد عظيمة منها جريان التوارث، ومنها نظر الولد إلى محارم الزوج, ومنها إيجاب النفقة والكسوة والسكنى, ومنها الإنكاح والحضانة" اهـ ([12]).
        أما ما أثاره المعترضون حول هذه الفتوى من أن الفتوى بُنِيَت على أساس ضعيف، وهو اجتهادات قدامي الفقهاء ولا مستند لها يعتبر؛ لأنها مبنية على دليل لا هو بالقرآن ولا هو بالحديث، ولا يزيد على كونه حالة تم رصدها وتفسيرها، وقد يكون هذا تفسيرًا علميًّا خاطئًا، فهو ينتمي إلى عصر كان يفتقر إلى أدوات ووسائل الفحص الصحيح، وهو دليل ظني يعارضه يقين، والذين رووا قصة امرأة محمد بن عجلان وحملها الذي استمر أربع سنوات لم يكن لديهم من وسائل الكشف ما نعرفه اليوم من أجهزة وأدوات متطورة أصبحت قادرة على معرفة جنس الجنين، وشكله، وحالته الصحية، وعلاجه بالجراحة، وهو مازال في رحم أمه، ويمكن أن يكون رصدهم هذا خطأ؛ لضعف إمكانات الرصد في عصرهم.
        وكذلك فإن قول الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] يدل على أن مدة الحمل والفطام معًا عامان ونصف العام، مما لا يمكن معه أن يكون الحمل أربع سنوات. وقد جمع الفقهاء هذه الآية الكريمة إلى الآية الأخرى التي فيها: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] واستدلوا على أن أقل مدة للحمل ستة أشهر، أي أن الآية مناط حكم شرعي في القضية نفسها هو تحديد أقل مدة للحمل، ومن المنطقي أن يستدل بها على تحديد أقصى مدة كذلك.
        وجواب الاعتراض الأول بأنه لا يلزم لثبوت الحكم أن يكون مستنده الأية المخصوصة أو الحديث المخصوص بل قد يكون مستنده الواقع أو الوجود كما أسلفنا، وهذه الفتوى لم تبن على أساس ضعيف، بل بنيت على استقراء الواقع كما سبق أن ذكرنا، وكلام الفقهاء عن أكثر مدة الحمل يثبت ولو بحالة واحدة، وقد سبق ذكر نماذج متعددة وآثار كثيرة على ذلك، واعتبار هذه الحالات الواردة ما هي إلا أخطاء نتيجة ضعف الأدوات العلمية تجهيل بغير دليل.
         أما الآيات القرآنية المذكورة، فهي لا تدل إلا على أقل مُدَّة الحمل، ولا دلالة لها على أكثر مدة الحمل، وكون الآية ذكرت أقل مدة للحمل فهذا ليس قرينة على وجوب ذكرها لأكثره؛ إذ لا علاقة بين هذه وتلك. ويمكن أن تفهم الآية الكريمة بأنها قاعدة أغلبية أي أن أغلب الحمل مضافًا إليه الرضاعة يكون ثلاثين شهرًا بدليل أن كثيرًا من الحمل والولادة قد يزيد على ذلك فمن حملت تسعة أشهر ثم أرضعت سنتين كما أمر الله، فإن حملها وفصالها يكون في ثلاثة وثلاثين شهرًا لا في ثلاثين، فالآية الكريمة كما ظهر لك نص في أقل مدة للحمل، وهكذا ورد فهمها عن السلف، ولا علاقة لها بأكثر الحمل مطلقًا.
         والشرع الشريف مُتَحفَّظ في الفروج والدماء إلى أبعد حد، فحيث ثبت أن هناك حالة واحدة ولو من مائة مليون حالة تلد في أربع سنين، فإنَّ الشرع لا يتَّهِم أي امرأة تدعى أنها حملت وولدت بعد أربع سنوات؛ لأن هذه الحالة يمكن أن تكون هي التي أخبر عن مثلها الإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهم من علماء الإسلام، ومن قواعد هذا الدين أنه يدرأ الحدود بالشبهات، فلو ظهرت شبهة ولو ضعيفة أن هذه المرأة لم تفعل الحرام فإننا نسير خلف هذه الشبهة درءًا للحد عن هذه المرأة.
         ومن احتياط الشرع في الفروج والدماء أنَّه حكم بالحد على من قذف مسلمًا ولم يأت بالبينة على هذا القذف، ولذلك أيضًا يشترط شروطًا لو لم تتوفَّر في شهادة الشخص على الزنا، فإن هذا الشخص يُحَدُّ حد القذف ثمانين جلدة.
    ثم إن هذه الفتوى لا تلزم الرجل الذي يشك في سلوك زوجته وقد طلقها وتريد أن تنسب له ولدًا طمعاً في أي شيء منه؛ لأن هذا الرجل بامكانه أن يلاعن من هذه الزوجة بطريقة معلومة عند القاضي، بأن يحلف أيمانًا أربعًا وتحلف هي الأخرى أربعة أيْمَان ويمينًا خامسًا ويفرق القاضي بينهما.
         فإن قال قائل: إن هذه الفتوى تفتح الباب أمام المرأة التي لا أخلاق لها أن تنسب للرجل غير أولاده لرغبة في نفسها؟
         فالجواب كما قلنا: إن الفتوى قد فرقت بين إثبات النسب وإثبات الزنا، فالقانون هو الذي يقضي بالنسب وفي خلال سنة فقط، ولكن الفتوى لا تبيح أن تتهم هذه المرأة بالزنا؛ لأن الشريعة حريصة على درء الحدود كما ذكرنا وقد ثبت أن من النساء في الواقع من حدث لهن ذلك.

    والله تعالى أعلم.




    الهوامش:

    ([1]) تفسير القرطبي 9/ 287، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2/ 474.
    ([2]) الحاوي 11/ 205، المغني 8/ 98
    ([3]) تفسير القرطبي 9/ 288.
    ([4]) سنن البيهقي  7/ 443.
    ([5]) أخرجه الدارقطني 3 / 322، والبيهقي في سننه 7 / 443.
    ([6]) حاشية الرملي على أسنى المطالب 3/ 393، والثنايا هي: الأسنان المتقدمة اثنتان فوق واثنتان أسفل؛ لأن كلا منهما مضمومة إلى صاحبتها. (المغرب للمطرزي ص 71)
    ([7]) سنن البيهقي 7/ 443.
    ([8]) المغني 8/ 98.
    ([9]) العناية شرح الهداية 4/ 363، المعارف لابن قتيبة ص 133.
    ([10]) المعارف لابن قتيبة ص 133، تفسير القرطبي 1/ 355.
    ([11]) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 7 / 443، وعبد الرزاق في المصنف 7 / 354.
    ([12]) قواعد الأحكام 2/ 122.
    كلمات مفتاحية  :
    فتوى النساء المرأة المسلمة

    تعليقات الزوار ()