بتـــــاريخ : 11/19/2008 7:49:58 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1139 0


    ابن الحطاب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    يحكى أن رجلاً فقيراً ذا عيال كثير، كان يخرج كل يوم إلى الجبل، فيحتطب، ثم ينزل إلى السوق، فيبيع حمل حطب، ليوفر لعياله قوت يومهم.‏

    وذات يوم، وهو راجع من الجبل، استوقفه ولد مشرد، رث الثياب، زريّ الهيئة، رجاه ان يتخذه ابناً له، فانصرف عنه الرجل، ولم يبال به، إذ يكفيه ما عنده من أولاد، وما هو فيه من فقر وبؤس.‏

    ومرة أخرى، في يوم آخر، استوقفه الولد، وألح عليه، يرجوه أن يتخذه ابناً، فرقّ له قلبه، ولكنه ذكر عياله وفقره، فانصرف عنه، ولما وصل البيت روى لزوجته ما كان من أمر الولد المشرد، فأنكرت عليه إعراضه عنه، ورجته أن يحضره معه، إذا رآه مرة أخرى، وأكّدت له أنه سيكون لهما بمثابة الولد، وستكون له منزلته في سائر أولادهما، ولن تثقل عليهم مؤونته، فهو واحد في عيال كثير.‏

    ومرة ثالثة رآه الولد المشرّد، فتوسل إليه أن يتخذه ابناً، فعطف عليه الرجل، وأخذه إلى البيت، وانضم الولد إلى عيال الرجل، ففرحوا به، كما فرح بهم، واطمأن به المقام، وقد أصبح له الرجل أباً، وزوجته أماً، والأولاد إخوة.‏

    وذات يوم خرج الولد إلى السوق ليشتري حاجة للمنزل، فسمع بعض الرجال يتحاورون همساً، فأصغى إليهم خلسة، فسمعهم يتحدثون عن خزينة الملك، وامتلائها بالأموال، كما سمعهم يذكرون موضعها والحراس الذين يحرسونها، وطريقة الوصول إليها، وكأنهم يعدون العدة لسرقتها، فرجع إلى البيت، وقد بيّت في نفسه أمراً.‏

    ولما كان المساء، هيأ سلماً من حبال، وقصد قصر الملك، فتسوره، ووصل إلى الخزينة، فسرق منها مبلغاً كبيراً، ورجع إلى البيت بأمان، وفي الصباح أعطى المال لأبيه، وطلب منه أن يشتري لإخوته الطعام والثياب، ورجاه أن يترك الاحتطاب.‏

    وذهل الملك لسرقة الخزينة، فجمع وزراءه، ورجال قصره، وعرض عليهم الأمر، وأخذ يستفتيهم فيه، ويسألهم طريقة الوصول إلى السارق، وبعد تشاور تم الاتفاق على إرسال ناقة مشهود لها بقدرتها على اقتفاء الأثر، بتتبعها ريحه لتهديهم إلى السارق.‏

    وكان الولد قد خرج إلى السوق، وأخذ يصغي إلى كلام الناس، فعرف أن الملك سيرسل ناقة تقتفي أثره، فأعد للأمر عدته، ولما صارت الناقة قريبة من داره، غافل الحراس، وأدخلها إلى الدار، فذبحها، وألقى بمعظم لحمها في بئر، وترك بعضه، ودعا أمه وأباه وإخوته إلى اشتواء اللحم وتناوله.‏

    ولما كان المساء قصد الولد قصر الملك، فتسوّره، وسرق من خزينته مبلغاً آخر، وترك في موضعه لسان الناقة، ثم رجع إلى بيته بسلام، على الرغم من كثرة الحرّاس.‏

    وفي الصباح غضب الملك غضباً شديداً، وشاور الوزراء في الأمر، فأشاروا عليه بإرسال عجوز تستطلع الأمر، وأخذت العجوز تطوف بالبيوت، وتحاول بدهائها ومكرها وحيلتها أن تقف على السارق، ولما بلغت بيت الحطاب كان الولد في الخارج يلعب مع إخوته، وقد استقبلتها الأم، وهي لا تدري من أمرها شيئاً، وأخذت العجوز تروي للأم أن ابنتها في الوحام، وهي في قرم إلى اللحم، وأخذت تذكر الملك، وتنعى عليه، وتذكره بالسوء، لأنه منع الذبح، وحرم بيع اللحم، فعطفت عليها الأم، ورقّت لحالها، وأخبرتها أن اللحم عندها كثير، ثم أخرجت لها قطعة من البئر، وقدمتها إليها، ففرحت العجوز، وأدركت أنها ظفرت بالسارق، ولكن الولد فاجأها قبل أن تخرج من الدار، وأدرك الخطر الكامن وراءها، فعالجها بضربة على رأسها، ثم رمى بها وبقطعة اللحم في البئر.‏

    ولما كان المساء قصد قصر الملك، وتسوره، وسرق مبلغاً من خزينته، وعاد إلى بيته بسلام.‏

    وفي الصباح رأى الملك الخزينة وقد سرقت، فقرر أن يضع في الطريق إلى الخزينة، وعاء كبيراً، فيه زيت مغلي، وفي المساء عزم الولد على المضي إلى القصر، فطلب منه أبوه أن يصحبه معه، وأراد الولد أن يعتذر عن ذلك، ولكن الأب ألح وأصر، فاضطر الولد إلى القبول، وذهبا إلى القصر معاً، وكان الأب في حالة عظيمة من الذعر والخوف، وما إن خطا داخل القصر خطوة، حتى تعثرت قدمه، ووقع في الزيت المغلي، وبادر الولد إلى الفرار.‏

    وفي الصباح فرح الملك بسقوط الرجل في الزيت المغلي، وقد ظنه السارق، وأمر بتعليق جثته في ساحة المدينة، وأعلن أنه لن يسمح بدفنه، وأن كل من يبكي عليه يشنق إلى جانبه.‏

    وحزنت الأم لفقد زوجها، كما حزن الأولاد جميعاً، وزاد في حزنهم قرار الملك، ولكن الولد حاول أن يسرّيَ عنهم، ووعدهم أن يمكّنهم من البكاء عليه، وأن يساعدهم، على دفنه.‏

    ومضى الولد إلى السوق، فاشترى حماراً، وحمله بكيس مليء بالجوز، ثم طلب من الأم أن تذهب إلى ساحة المدينة، مع الأولاد، وأن تقود الحمار، حتى إذا بلغت جثة زوجها، دفعت الكيس، وتركت الجوز يتدفق على الأرض، ويمكنها عندئذ أن تبكي، هي والأولاد، ماشاء لهم البكاء، بل أن تصرخ وتندب: "يا جوزي، يا جوزي، ضاع جوزي".‏

    وفعلت المرأة ما أشار عليها به الولد، وتمكنت من رؤية جثة زوجها، والبكاء عليه، هي والأولاد، ثم عادوا جميعاً إلى البيت سالمين.‏

    وفي المساء ارتدى الولد ملاءة، وتنكر في زي امرأة، وحمل زق خمرة، ومضي إلى الجند الذين يحرسون جثة أبيه، فتعرض لهم بوصفه امرأة، وأخذ يغريهم بشرب الخمرة، ويمنيهم بالمتع، حتى إذا سكروا، تركهم ومضى، فتبعوه، فأخذ يراوغهم في الأزقة والمنعطفات، وحتى أضاعوه، فأسرع إلى جثة أبيه، فحملها، ومضى إلى البيت، وقام مع أمه وإخوته بدفنها.‏

    وقبل أن ينقضي الليل مضي إلى القصر، فسرق خزينة الملك، ورجع إلى البيت، وفي الصباح علم الملك بالأمر كله، فثار غضبه، وأخذ يبحث عن طريقة للإيقاع بالسارق، وقد لاحظت ابنته ما هو فيه من غضب، فتطوعت للكشف عن السارق بنفسها.‏

    وأخذت ابنة الملك تطوف بالبيوت متنكرة، تستقصي الأخبار، وتحاول سماع ما يهديها إلى السارق، حتى بلغت دار الولد، فأكرمتها أمه، وقدمت لها أطايب الطعام، وفيه اللحم الكثير، فأدركت ابنة الملك على الفور أنها في بيت السارق، فما كان منها إلا أن شكرت الأم على ضيافتها، وودعتها وخرجت، وقد تركت على باب الدار إشارة.‏

    بعد قليل حضر الولد، فرأى الإشارة على باب الدار، فعرف أن في الأمر خطراً، فوضع مثل تلك الإشارة على دور الحي كلها، وقدم رجال الملك للقبض على الولد، فرجعوا خائبين، ولكن ابنة الملك عادت بهم ثانية، ودلتهم على البيت، فدخلوه وألقوا القبض على الولد، وزج في السجن.‏

    ولما حلّ الليل توسل الولد إلى الحارس أن يخرجه لساعة واحدة، وأقسم له أنه سيعود، وقدم له صرة نقود كبيرة، فأطلقه الحارس، فمضى من توه إلى البيت، فارتدى ثياباً حمراء، وغطى رأسه بعمامة حمراء، وحمل عصا حمراء، وقصد القصر، فدخل على الملك وهو نائم، فأيقظه، فذهل الملك، وسأله من يكون، فأجاب بأنه ملك الجان، وحذره من إيذاء الولد السجين، لأنه أخوه، فارتعدت فرائص الملك ووعده بإطلاق سراحه، وخرج الولد من فوره إلى الوزراء جميعاً، وفعل بهم واحداً واحداً مثلما فعل بالملك، ثم ألقى الثياب، ورجع إلى السجن.‏

    وفي الصباح اجتمع الملك بالوزراء، وحدثهم بما كان في ليلته، وحدثوه بالأمر نفسه، فسألهم رأيهم، فاقترحوا جميعاً العفو عن الولد، وإطلاقه.‏

    وأرسل الملك وراء الولد، وطلب منه أن يعترف بحقيقة أمره، فحدثه الولد بقصته كاملة، فأعجب بذكائه وجرأته، وعرض عليه الزواج من ابنته، فوافق، وفي أيام تم الاستعداد لحفل الزفاف، وتزوج الولد ابنة الملك، ونقل إلى القصر أمه وأخوته، وعاش مع زوجته في هناءة وسرور، إلى أن توفي الملك، فورث العرش، وأصبح ملكاً، وأخذ يسوس الناس بالعدل،، فيدني منه الفقراء والبائسين ويغدق عليهم الخير الوفير.‏

    تعليق:‏

    تصور الحكاية فتى لا أصل له، يلتقيه الحطاب فيتخذه ولداً، ويربيه مع أولاده، وعندما يكبر يأتي بالفعال العجيبة، وكلها تقوم على تحدّي قوة الملك وسلطته وعسكره، إلى أن يظفر بابنته، ثم يرث من بعده العرش.‏

    والحكاية بذلك تعبر عن حقد شديد على ظلم الملوك وقسوتهم، وتشبع لدى العامة الرغبة في الانتقام من جبروتهم وسطوتهم، كما تحقق حلم العامة بالوصول إلى سدة الملك وتحقيق العدل.‏

    والحكاية تجعل الولد لقيطاً لا أصل له، كما تجعله فاسداً يسرق وينهب ويقتل، ولكنها تجعله بعد ذلك يتسلم الحكم ويقيم العدل، وكأن الحكاية تفضل ولداً لقيطاً لا أصل له على ملك ظالم، ويظل العدل هو المنشود.‏

    والحكاية تتضمن حالات من السرقة والسطو والاحتيال تمتاز بالجرأة والذكاء وحسن التخلص، وهي حالات تتطور وتتفاقم.‏

    كما تتضمن الحكاية عنصراً يتكرر في كثير من الحكايات وهو وضع علامة على باب دار من الدور للتعرف عليه ثم قيام البطل بوضع علامات مماثلة على أبواب سائر الدور للتضليل

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()