الحمد لله الذي ييسر للإنسان فترات تعينه على مراجعة همته ونشاطاته، محاولاً التجديد في سيره إلى ربه، وتلك غاية طموح المؤمن أن يرقى إلى جنة ربه..
والصلاة والسلام على نبينا الداعي إلى البحث عن كل مداخل الطاعات لولوجها رغبة في تميز أمته بكل خيروعباد.
حينما يريد المرء دخول أحد المنازل الفخمة، يكون أول ما يبهره روعة الباب وجماله، فتأخذه الخواطر والتأملات في دقة التصميم وتناسق الزخارف، ويُطرح في نفسه تساؤل: إن كان هذا الباب فكيف بجمال المسكن؟!
لقد وهب الله عز وجل للإنسان عقلاً يفكر، وفكرًا يندم، ونفسًا تتشوق، وجوارح تعمل، وقلبًا يعلو بالهمة ويسمو…؛ فإن سلك الدرب المستقيم توج ذلك كله برفعة سامقة، وأنس مبهر يوم القيامة: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون).
إننا في غالب الأحيان تتحسر نفوسنا بعد وداع رمضان على عدم نيل النصيب الوافر من التميز في رمضان ، نندم وربما يبكي أصحاب القلوب الحية؛ لأنهم فوتوا بعض أوقات فضيلة بما لا ينبغي، فضلاً على قضائها فيما هو من الممنوع شرعًا ... ولات ساعة ندم، ولن يعاد رمضان الماضي..
من هذه الكلمات وهذه التألُمات سطرت لك هذه الكلمات.. واخترت أن أبعثها في بداية رمضان، حتى نتدارك الأمر من بدئه، فلن تنالي التميز في رمضان ما لم يكن ذلك من الخطوة الأولى، وجمال الباب من جمال المسكن!
أيتها الفاضلة :
التخطيط للتميز شرف لا يناله إلا من وفقه المولى لذلك، وليس التخطيط مشاريع في الهواء فحسب، إنما هو ركيزة للعمل الجاد، والعمل هو المطلوب (إنما تجزون بما كنتم تعملون) ولم يقل سبحانه بما كنتم تفكرون أو تنوون أو تخططون.
لكن العمل بلا تخطيط قد لا يجدي، وقد يفرز أعمالاً غير منتظمة سرعان ما يفتر المرء عنها، فالنفس قد فطرت على حب التجديد والبحث عن التجارب الجديدة، والسير وراء ما يثري المواهب ويقوي النفس، وربما ركب البعض التهور والتسرع في ذلك، ولذا على المرء أن يخطط باعتدال وتأنٍ، فلا يؤدي به الحماس المفاجئ أيضًا إلى تخطيط عظيم، فإن التخطيط لو زاد عن قدرات المرء وطاقات صبره ضاع التطبيق، وكذلك لو قل التخطيط ملت النفس، وكلا الأمرين مهلكان.
كيف يكون التميز؟
أرأيت ذلك البيت الفخم الذي وقفنا على عتبات بابه، وانبهرنا بجمال زخارفه ودقيق صناعته؟
ما رأيك لو ولجنا البيت، ونظرنا في كل غرفة جميلة رائعة معًا.. إنها غرف كثيرة، فهيا بنا!
النوافل: الحديث عن الفرائض من صلوات أمر لا ينبغي منا نحن الطالبين للتميز أن نتكلم فيه، لأن الواجب على المرء العادي أن يقوم به بتمام وإتقان، لكن الباحثة عن التميز قد تخطت هذه المرحلة إلى الزيادة والرقي، فأكثري من النوافل في أوقات مختلفة، وتحري الهدي النبوي في اغتنام الأوقات الفاضلة، فالصلاة نور، والتميز نور بين المتخبطين في الظلمات.
ومن هذه النوافل: السنن الرواتب، (من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيت في الجنة..) تنبهي أيتها المتميزة، في الحديث بيت، ومن منا لا تتمنى بيتًا تملكه وتأنس به وإن كان صغيرًا، فكيف ببيت في أعلى مكان وأشرف منال في جنة الخلد، إنه ليس بيتًا عاديًا، حاشاك أيتها المتميزة أن تسكني في بيت عادي الصفات؛ بل ولا مثل أجمل بيوت ملوك الدنيا، ولو كان كذا لما تميز أهل الجنة عن أهل الدنيا وإن كانوا أغنياء، فالمتميزون هم أهل الله ...
ولا يخفى عليك تميز الصحابة في هذا المضمار، انظري إلى أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول راوية للحديث من صلى لله في يوم وليله ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة بنى الله له بيتًا في الجنة قالت أم حبيبة والله ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله، وقال عنبسة بن أبي سفيان أخو أم حبيبة وهو الذي حدث عنها: وأنا والله ما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة ..
ثم تسلسل الرواة لهذا الحديث أربعة بعد عنبسة كلهم يقولون: وأنا والله ما تركتهن منذ سمعتهن من فلان يحدث بهن ، أجل.. هذه المنافسة وهذا التميز.
الصيام .. المتميزة تأنس بنسائم رمضان.. ويكون كل يوم صيام فيه شعاع يضيء في نفسها أكثر فأكثر، من مراقبة لله تعالى وخشية منه ومحبة له.
الذكر .. والذكر على أنواع.. أذكرها بلا تفصيل فمحلها كتب الأذكار وهي .. * أذكار اليوم والليلة ( أذكار الصباح والمساء.. التسبيح والتهليل والتكبير واستشعار عظة الله بما يجلب ذكر من صور ونحوها.. وذكر الوضوء أذكار الصلوات وأذكار النوم وروعة معانيه)، وتذكري أن قراءة القرآن بنوع من التدبر والتفسير هو من علامات المتميزة.. فالكل قد يقرأ القرآن، لكن المتميزة.. أعلى قدرًا بتدبر معانيه والنظر في تفسيره.. فكوني حقا .. ترغبين التميز..
التلفاز.. . لمّا كنت أنا وإياك نطمع بالتميز كان لزاما أن يكون التميز في جميع أحوالنا.. وقد كان لابد وأن نشير إليه لعموم البلاء به، فالتلفاز من أشد الأمور تجبرًا على عرش النفس .. خططي لتركه والابتعاد عن كل ما يربطك به .. وخاصة المشاهد التي تشل تميزك .. فأهل الفراغ يحاولون إشغالك، لكن ليس بما يسمو بك ويميزك .. كوني على حذر حتى لاتندمي في نهاية رمضان.. خططي على صرف نفسك عن أوقات لهوهم .. من الآن .. بكل مايميزك ....
قيام الليل: ويبقى أعلى ما يميز وأشرف ما يعلي، من نال منه نصيبًا نال الضعفين من التميز، فمنه النور .. واستشراف الذات، إنه قيام الليل.. ولو ركعات.. والدعاء فيه أقرب للإجابة والدمعات فيه أروع للتجديد، فلا ألفينك لم تتميزي بالقيام والدعوات فيه..
وختامًا.. أيتها المباركة.. التميز لا يقف على ما خططته لك، بل إن كل ما يميز وفق الهدي النبوي إحسان وتفوق.. ميزنا الله وإياك....
سارة السويعد
المصدر موقع واحة المرأة