بسم الله الرحمن الرحيم
نستعجب حين تلم بنا المصائب فتحدثنا أنفسنا وتقول مما هذا وأنت صائم مصلى مزكي كاف جوارحك عن الحرام قد أديت الصلوات جماعة ومن صلى الفجر في جماعة كان في ذمة الله،،،، هذه النفس وهذا حديثها لكن الله يقول (أولما أصابتكم مصيبة) " إلى أن قال"(قلتم أنى هذا) " فيجيب - سبحانه - ويقول (قل هو من عند أنفسكم) أي بسبب ذنوبكم ويقول - سبحانه - (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) يعفوا عن كثير مما إقترف القلب والجوارح مما نعلم ومما لا نعلم،، لا مما إقترفت الجوارح فقط، فلا تظن أيها الحبيب أن الذنوب معلقة بالجوارح فقط كالقتل والسرقة والزنا والنظر المحرم وأكل الربا وغيرها من أعمال الجوارح،، كلا، بل هناك ذنوب وأدواء مهلكة يحملها القلب، قد تكون أشد فتكا وهلاكا بالمرء من أعمال الجوارح تلك، وينتج بسببها مصائب تحيط بنا من كل مكان صغرت أم كبرت، شعرنا بها أم لم نشعر. ومنها الحسد والرياء والحقد والكبر وغيرها، وسأقف مع ذنب واحد فقط من أعمال القلوب، ألا وهو الكبر، فلطالما حدثتنا أنفسنا بأننا متواضعون وأوهمتنا بذلك حتى أصبحنا لا نرى أحدا أكثر منا تواضعا، والمتأمل في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خطر الكبر يجد أمرا مهيبا تقشعر منه الأبدان، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) تأمل معي هول الأمر، لم يقل من كان في قلبه كبر، لا،، قال ذرة من كبر، ويا ترى كم حجم هذه الذرة وخذوا هذا المثال، يتأفف الكثير اليوم من كل رجل فقير غريب لا يربطه به بلد أو جنسية وينظر له بغير العين التي ينظر بها لمستوطن بلده والله - تعالى - يقول (إنما المؤمنون إخوة) بل ربما يكون هذا الغريب أحب إلى الله منك قال - تعالى -(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقد يجد البعض في نفسه من الكراهة لمن يصلى بجواره مالا يجد لغيره من أهل بلده وهذا والله عين الكبر، قال - صلى الله عليه وسلم - (الكبر بطر الحق وغمط الناس) تأمل " وغمط الناس " النظر لهم بالدونية، سواء العمال أو غيرهم، ونجد ذلك أيضا مع الرئيس والمرؤوس فتجد الرئيس في العمل يتهلل وجهه لمن هو في مرتبته ومنصبه ويقبله يمينا وشمالا، ومع المرؤوس تجد العكس تماما تجد إنقباض الوجه وثقل إلقاء السلام والمصافحة بطرف الأصابع وهذا والله ليس من خلق المسلم للمسلم أبدا، بل هذا جراء ذلك الذنب (الكبر) الخفي الذي يحمله المرء ولا يشعر بخطره وضرره حين يلقى الله، فلا تهلك نفسك أخي ولا تزدري أحدا أبدا بل عامل الناس سواء فإن حسن الخلق يبلغ به العبد درجة الصائم النهار القائم الليل وإن صاحب الخلق الحسن،،، محمود في الدنيا والآخرة وحين يتجرد من منصبه سيجد مادخره لنفسه من حب وخير ودعاء في قلوب الخلق قال - صلى الله عليه وسلم - (من تواضع لله رفعه) وهل هناك أعظم من محمد - صلى الله عليه وسلم - تواضعا الذي قال " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ومن تأديب الله له قوله - جل وعلا - (واخفض جناحك للمؤمنين) أي للوضيع منهم والرفيع،، جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرتعد خوفا منه - عليه الصلاة والسلام - فقال له - عليه الصلاة والسلام - هوِّن عليك! فإني لست بملك إنما أنا بن امرأة تأكل القديد! وكان يقول - عليه الصلاة والسلام - إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد،،، ألا فليعلم هؤلاء المترفعون على بني جنسهم أنهم خرجوا للحياة في لحاف أبيض وحين يموتون سيلفون في لحاف أبيض آخر،،، ولن ينجيهم من عسر الحساب إلا تواضعهم وإحسانهم لأنفسهم الذي قدموه في حياتهم الدنيا.