أنا رجل أشغل وظيفة مؤذن بمسجد ولي مرتب من الأوقاف، ويقال لي: إنك استلمت راتب فليس لك أجر، وأنا لا أرغب ذلك، وإنما أرغب الأجر أحسن من الراتب، يقول: علماً أني في حاجة إلى هذا الراتب، حيث ليس لي أي دخلٍ آخر، ولكن أُفضل أجر الآخرة على أجر الدنيا؟
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعثمان بن أبي العاص لمَّا سأله أن يكون إمام قومه قال: أنت إمامهم، وأقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً). فدل ذلك على أن المؤذن الذي يتبرع بالأذان ويتطوع به ويريد ما عند الله أنه أفضل وأولى من غيره ، لكن ذكر العلماء أن الذي يعطى من بيت المال ما يعينه على ذلك لا حرج عليه في ذلك، ولا بأس عليه ، لأن بيت المال للمصالح ، مصالح المسلمين، وهكذا الأوقاف التي يقفها المسلمون على المؤذنون والأئمة لا حرج عليهم إذا أخذوا منها ما يعينهم على هذا العمل الصالح، فإذا أخذت أيها السائل من بيت المال ، من وزارة الأوقاف ما يعينك فلا حرج عليك، ونرجو أن يكون لك الأجر كاملاً؛ لأنك تأخذ شيئاً يعينك على هذا الواجب، وعلى هذا العمل الصالح، وربما لو تركت ذلك لتركت هذا العمل لالتباس الرزق. فالحاصل أن المؤذن إذا دُفع إليه ما يعينه على أداء الأذان لحاجته إليه فلا حرج عليك في ذلك ؛ لأن الأذان يحبسه، يحتاج به إلى أوقات فإذا أخذ ما يعينه على ذلك فلا حرج عليه في ذلك. لكن من وسع الله عليك وأحب أن يعمل من دون شيءٍ من بيت المال فذلك أفضل وأكمل؛ لأنه حينئذٍ تكون قربته كاملة، ليس فيها شيء من النقص ، بل عمل عمله لله كاملاً من دون شائبة. أمَّا من أخذ من بيت المال فلا حرج عليه ؛ لأنه من بيت مال المسلمين عامة ، ولاسيما المصالح كالإمامة والأذان وأشباه ذلك ، وهكذا الأوقاف التي توقف على المؤذنين والأئمة هذا كلها من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب تسهيل أمور الإمامة والأذان؛ لأنه ليس كل واحد يتفرغ لهذا الشيء فإذا أمنت حاجته كان هذا أدعى إلى أن يلتزم ويقوم بهذا الأمر العظيم الواجب. المقدم: لكن هذا الأجر الذي يساق اليوم إلى المؤذنين هل يدخل في هذا الحث الذي حث عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء يأخذون من بيت مال المسلمين الآن؟ الشيخ: الذي يظهر أنه غير داخل في هذا ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد الذي يؤاجر، يعطيه ويقول: لا أُذن إلا بأجر، يأخذ أجر على ذلك، يعني مشارطة بينه وبين أهل المسجد، أو بينه وبين بعض الناس الآخرين، هذا هو الأقرب في ظاهر النص ، أما الذي يعطاه من بيت المال كما يعطى المدرس، ويعطى الإمام، ويعطى المجاهدون فغير داخل في هذا إن شاء الله ، لكن لا شك أن الذي يريد أن لا يأخذ شيئاً بالكلية وأن يتفرغ لهذا الشيء من جهة نفسه؛ لأن الله قد أعطاه مالاً ووسع عليه فهذا أكمل في الإخلاص.