تعريف السنة
والسنة في اللغة : هي السيرة والطريقة سواء أكانت حسنة أم سيئة ، محمودة أم مذمومة ومنه قوله r : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم/ 4830، وابن ماجه/ 199، وأحمد/ 18404، والدارمي/ 511 .
وأما في الشرع : فتطلق على ما أمر به النبي r ونهى عنه وندب إليه قولاًوفعلاً.
وقد تطلق السنة على ما كان عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم ، واجتهدوا فيه ، وأجمعوا عليه ، وذلك كجمع المصحف ، وتدوين الدواوين ،وصلاة التراويح في جماعة ...، قال r : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) رواه ابن ماجه/ 42 وغيره، من دون أن يعني ذلك أن عمل الصحابة مثل عمل الرسول في المكانة التشريعية.
كما تطلق السنة على ما يقابل البدعة في اصطلاح العلماء عموما وعلماء العقيدة خصوصا، وذلك فيما يحدثه الناس في الدين من قول أو عمل مما لم يؤثر عنه r أو عن أصحابه ويخالف أصول الشريعة ولا يوافقها، فيقال فلان على سنة إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي r ، ويقال فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك.
وقد تطلق السنة على غير الفرائض من نوافل العبادات التي جاءت عن النبي r وندب إليها، فإذا قلنا إن أي عبادة سنة فذلك يعني أنها ليست فرضا أو واجبا.
وللعلماء رحمهم الله اصطلاحاتهم الخاصة في تعريف السنة بحسب الأغراض التي عُنِيَتْ بها كل طائفة منهم :
فعلماء الحديث مثلاً بحثوا في أحوال الرسول r باعتباره محل القدوة والأسوة في كل شيء ، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال .
ولذا فالسنة عندهم : هي ما أثر عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية ، أو سيرة ، سواء كان قبل البعثة أو بعدها دون أن يعني ذلك أن في السنة الخلقية كمواصفاته الجسمية أو في تصرفاته عليه الصلاة والسلام قيمة تشريعية مستقلة، ولذا نقول: إن السنة التي هي تشريعية على أنواع ثلاثة وهذا معنى السنة عند الفقهاء والأصوليين الذين يعنيهم ماهو تشريعي وما هو غير تشريعي.
1- السنة القولية: وهي أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، والأحاديث كثيرة ففي صحيح البخاري مثلا أكثر من أربعة آلاف بدون تكرار، وهذه الأحاديث من حيث درجة الصحة والقبول والاستدلال تتوزع على أنواع منها: الصحيح ومنهاالحسن، ومنها الضعيف، وهناك أقوال نسبت زورا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تسمى بالموضوع ميزها العلماء وبينوا أمرها.
2- السنة الفعلية: وهي فعله وأعماله وتصرفاته العملية وما قام به في حياته مثل: جهاده ودعوته، وانفاقه، وحسن معاشرته مع أهله ويعتبر كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد من المصادر المهمة في هذا المجال ولابد للداعية أن يطلع عليها...الخ.
3- السنة التقريرية: وهي (موافقاته) أوما علم به أو فعل أمامه وسكت عليه بما يعني أنه قد أقره ووافق عليه وكتب السنة ذكرت كثيرا من ذلك أيضا منها أنه r أقر الجوارى على الغناء في الأفراح، وأقر أشكالا من الموسيقى في العيد، وأقر لعب الحبشة في المسجد، وأقر الناس على أكل الضب ولم يأكله هو، وقال: لخالد بن الوليد -عندما ساله عن سبب عدم أكله وهل هو حرام-: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. (رواه البخاري/ 2387، ومسلم/ 3603، والنسائي/ 4242، وغيرهم)
أهمية السنة وضرورة اتباع النبي r
أجمع العلماء من جميع المذاهب على أن السنة هي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقال جل وعلا موجبا اتباع النبي r وآمرا بالوقوف عند أمره ونهيه:( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا -7/ الحشر)، وقد زكى الله قول نبيه فقال:(وما ينطق عن الهوى إن هو إلاوحي يوحى- 3/النجم)، وقال - نافيا تقول الرسول r عليه- : (ولوا تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين -44/ الحاقة) وقال:( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أما إلا نذير مبين- 9/الأحقاف)، ولذلك ألزم الله المؤمنين باتباع رسوله وجعل طاعته من طاعته فقال:( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاَ- 80/النساء)، وقال:( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين -32 /آل عمران)، وجعل اتباعه سببا للمغفرة ودليلا على حب الله فقال:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم- 31/آل عمران).
وسورة النور قد أكثرت من التنبيه على هذا الموضوع، وقرنت طاعة الله بطاعة رسوله في أكثر من آية فقال عز وجل:(ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين47 وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون 48 وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين 49 أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أمن يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون50 إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون51 ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون52 وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون53 قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين54 ).
وبينت هذه الآيات بوضوح أن الإيمان والفلاح والفوز والهداية في طاعة الله وطاعة رسوله، وفي مقابل ذلك فإن التولي والريبة ومرض القلب والظلم لازم لامحالة من عدم قبول أمر الله وأمر رسوله r ، وموقف المؤمن الحق بالله ورسوله هو أن يقول سمعنا وأطعنا، موقنا بأن الخير هو ما اختاره الله، وأن الحق المحض هو ما أمر به الله ورسوله، وعلى هذا يؤكد القرآن في موضع آخر ويقول:( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا -36/ الأحزاب) ويقول - حالفا- في سورة النساء:(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما64 فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما 65 ) فالمطلوب من المؤمن أن يُحَكِّم رسوله فيما يحدث بينه وبين غيره من الناس وعندما يجد حُكما نبويا في ذلك الأمر أن يقبله بكل رضى وطيبة نفس مستسلما متعبدا بمخالفة رأيه وهواه.
وتعود سورة النور مرة أخرى للتأكيد على المعنى نفسه وبشكل آخر، حيث يعتبر المولى طاعة الرسول كالصلاة والصيام سببا للرحمة، وفيها يقول المولى سبحانه:( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون56 ) بل إن السورة تعود في ختامها للتأكيد على أن الاستئذان من الرسول كقائد هو أيضا من لوازم الإيمان وإن مخالفة أمره r هو سبب الفتنة والعذاب الأليم... وفي هذا يقول المولى جل شأنه:( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم62 لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم63).
وفي سورة النساء أيضا، وبعد أن يبين الله أنه قد علَّم رسوله ما لم يعلم وأنزل عليه الكتاب والحكمة (أي السنة عند بعض المفسرين)، يقول المولى جل شأنه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا 114)، وفي بداية السورة ورد أن طاعة الله ورسوله سبب دخول الجنة كما أن عصيانهما سبب دخول النار: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم13 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين 14) وتبين السورة أن مقام الرسول هي مقام الشهادة علينا يوم الدين وأن الذين يعصونه r يكونون في خزي شديد ومعصيتهم مقرونة بالكفر:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا 41 يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولايكتمون الله حديثا 42).
وظيف ة السنة تجاه القرآن :
ومن هنا ندرك وظائف الرسول عليه الصلاة والسلام تجاه القرآن وهي أمور منها:
• التبليغ: أي تبليغ الوحي بأمانة دون تحريف أو نقص أو تقصير أو كتمان في ذلك ودون تقول على الله سبحاته ما لم يقله، والرسول عليه الصلاة والسلام في هذا معصوم والله جل جلاله يقول:( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين)، وقد أعطى الله الحصانة والحماية لنبيه ليفعل ذلك وفي هذا يقول: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي القوم الكافرين- 67/المائدة)، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديثٍ لها : ( ومن حدثكم أن محمداً r كتم شيئاً أمر بتبليغه ، فقد أعظم على الله الفرية . ثم تلت الآية المذكورة ) ( أخرجه البخاري/ 4246، ومسلم/ 259، وأحمد/ 23094، والترمذي/ 2994) : ( لو كان رسول الله r كاتماً شيئاً أمر بتبليغه لكتم قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتَّقِ الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ، لأن عادة التبني كانت متأصلة عند العرب، وكان زواج زينب بالنسبة للنبي كمن يتزوج بزوجة ابنه حيث يسبب له إحراجا شديداً.
• شرح وبيان ذلك الوحي المنزل وخصوصا تلك التي وردت في القرآن مجملة أو مبهمة أو عامة أو مطلقة فتأتي السنة المطهرة فتفصل المجمل، وتوضح المبهم وتشرح الغامض، وتقيد المطلق، وكل هذا من تبيين القرآن ومراد الوحي، وهي من كبرى وظائف النبوة وفي هذا يقول المولى جل شأنه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون -44/ النحل)، وذلك يكون بقوله r ، كما يكون بفعله وإقراره .
وأمثلة هذا البيان كثيرة فآية قطع يد السارق مثلاً لم تحدد موضع قطع اليد ولا شروط تنفيذ الحكم أو مقدار المسروق الذي تقطع فيه اليد فجاءت السنة لتبين أنه لاتقطع يد في أقل من ربع دينار ذهبي، حيث أخرج الشيخان وغيرهما عن النبي r أنه قال:( لاقطع إلا في ربع دينار فصاعداً) (البخاري/ 6291، وسلم/ 3189، وكذا الترمذي/ 1365)، وبينت السنة وفعل الصحابة أن القطع يكون في الرسغ لا في المرفق أو الكتف وذلك معروف في كتب الفقه والحديث، بل إن الصلاة والصيام والزكاة لم ترد تفاصيلها في القرآن فبدون العودة للسنة لانعرف المعنى التفصيلي للفروض من حيث الأركان وشروط الصحة والسنن والهيئات والمواقيت والمقادير وجبران النواقص وغير ذلك الكثير.
وكذلك كان الأمر بخصوص الكثير من الآيات منها قوله تعالى:( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فقد أصابت هذه الآية الصحابة برعب فقالوا: يا رسول الله وأينا لم يرتكب ظلماً، فبين لهم الرسول: أن المراد من كلمة الظلم في الآية هو الظلم الأكبر وهو الشرك بالله وليس أي ظلم آخر، وذكرهم بقوله تعالى على لسان لقمان لابنه:( يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وهذا حديث أخرجه البخاري/ 4263، والترمذي/ 2993) وغيرهما.
وكذلك قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله r فقال : ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا ؟ قال : ( صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته . ( رواه مسلم /1108، والترمذي/ 2960، وأبو داود/ 1014،والنسائي/ 1416، وغيرهم)، ومثله قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم … ) فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك ، والكبد والطحال من الدم حلال ، فقال r : ( أُحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت ( أي : السمك بجميع أنواعه ) ، والكبد الطحال ) ( أخرجه أحمد/ 5465، وابن ماجه/ 3305) وغيره ، ومثله قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم ، فقد ثبت عن النبي r أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير ، وفي الأخرى ذهب ، فقال : هذان حرام على ذكور أمتي ، حل لإناثها ) ( أخرجه الترمذي/ 1642، والنسائي/ 5053، وأبو داود/ 3535، وابن ماجه/ 3585، وأحمد/ 711)... وكتب الحديث والفقه استفاضت في ذكر هذه الأمور، وخلاصة ما نريد أن نتوصل إليه هو أن القرآن لايمكن فهم الكثير من تفاصيل أحكامه إلا من طريق السنة النبوية.
3- تقديم النموذج العملي والقدوة الحسنة، وشرح أحكام الدين من خلال الأفعال وضرب المثل في التطبيق، وفي هذا يقول المولى سبحانه: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، وورد في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قولها –عندما سئل عن خلق النبي r - :(كان خلقه القرآن) (أخرجه الإمام احمد/ 23460)، أي كان قرآنا يمشي على الأرض يجسد كل المعاني السامية والأخلاق الجمة الرفيعة التي أكد عليها الوحي، وقد أكد القرآن هذا المعنى وشهد للرسول بذلك فقال:(وإنك لعلى خلق عظيم)، وهذا الأمر كانت عناية إلهية وإعجازا وقد أشار القرآن لذلك في العديد من الآيات منها :( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
شبهة لابد من الانتباه إليها
ذهب طائفة من المبتدعة والمحرفين للدين إلى القول بالاكتفاء بالقرآن مصدرا للفكر والتشريع، وأن المسلم لايحتاج إلى السنة، وقد ظهرت مجموعة في باكستان باسم (أهل القرآن) تبنوا هذا الرأي، وهناك طوائف أخرى يرددون هذه المقالة بطرق مختلفة ويحاولون الطعن في اثبات السنة وصحة طرقها، ويرفضون الأحاديث بالهوى والعقل السقيم دون البحث عن طرقه ورواياته ومعانيه عند العلماء، ولاشك أن هذه بدعة منكرة من الدين وجهل بأصول الشريعة ومكانة السنة النبوية، وقد نبه النبي r إلى ذلك في قوله - وهو يحذر من مغبة تركها- : (لا ألفينّ أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه) (رواه أبو داود في سننه/ 3989،والترمذي/2587 وغيرهم)، وفي رواية للإمام أحمد عن المقدام بن معدي كرب الكندي قال: قال رسول الله r :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه لا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروهم فإن لم يقروهم فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم ) (مسند الإمام أحمد/16546، وفي رواية سنن الدارمي فيه زيادة (ألا وإن ما حرم رسول الله هو مثل ما حرم الله) (سنن الدارمي/585).
وقد حاولوا بعد ذلك أن تصبغ هذه الدعوة المحرفة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبيانا لكل شيء، وأمثالها من الأدلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الأم وردّ عليها بأبلغ ردّ، وخلاصة ما جاء في رده: (إن القرآن لم يأت بكل شيء من ناحية، وفيه الكثير مما يحتاج إلى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات، ولا يقوم بذلك إلا الرسول (صلى الله عليه وآله) بحكم رسالته التي عليه أن يقوم بها، وفي هذا يقول الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون -44/ النحل).
ومعنى أن القرآن تبيان لكل شيئ (أي كل شيئ يحتاج لبيانه في القرآن) من الأمور الأساسية في الهداية و الاعتقاد والعبادة والشريعة وأمور الدين وغيرها مما بينه الكتاب العزيز على شكل مفصل، أو مجمل، أو ربما بإشارة جلية أو خفية، على حسب أهمية الموضوع وحاجة الناس إليه بتقديرات إلهية موزونة تتوافق أو تراعي طبيعة الدين ووظيفته من ناحية، وطبيعة الرسول ووظيفته من ناحية أخرى، وطبيعة الإنسان ووظيفته ودوره في انتاج المعرفة من ناحية ثالثة، فما لم يذكر في القرآن من تلك الأمور فهو إما متروك لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو هو متروك لاجتهاد البشر وقدراتهم على الاجتهاد وتفعيل العقل واستباط المعرفة.
آداب واجبة مع رسول الله r .
• حبه، وحبه من حب الله، ومن تمام الإيمان، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام:(لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين) رواه البخاري/ 15، ومسلم/177، والنسائي/5030 ، وابن ماجه/70، وأحمد/ 14323. وورد في البخاري أيضا أن عمر بن الخطاب قال مرة لرسول الله r : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيئ إلا نفسي. فقال النبي r :(لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك). فقال عمر:فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي. فقال النبي r :( الآن ياعمر )، البخاري/ 6232.أي الآن اكتمل إيمانك ياعمر ولا بد من غرس مثل هذا الحب في نفوسنا ونفوس أولادنا وذريتنا.
وكان صحابة رسول الله يستميتون في حب الرسول والدفاع عنه، ويفضلونه على كل ما عندهم وأول من قدم درسا في ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما نام في فراش الرسول عليه الصلاة والسلام والكفار محيطون بالبيت يريدون أن ينقضوا عليه في الفراش بالسيوف ليقطعوه ويوزعوا دمه الشريف بين القبائل، ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما صحبه في طريق الهجرة وجيش الكفر يتعقبهم بالقتل والأسر، ثم جميع الصحابة الذين تحدوا الدنيا وما فيه من قوى وجبروت لكي ينقلوا الإسلام عبر البر والبحر للدنيا وكانوا يواجهون السهام والسيوف بصدورهم عندما يتعرض الرسول عليه الصلاة والسلام لخطر كما حصل يوم أحد، وكان أحدهم يود أن يقتل في سبيل الله ولا يشاك الرسول شوكة في قدمه الشريفة، ولم تر التاريخ حبا كحب الصحابة الكرام لرسول الله وهذا الحب يستلزم طاعته، و اتباع سنته، ومحاولة معرفة هديه في كل الأمور، والاقتداء به ما أمكن، ويقتضي الحب معرفة سيرة المحبوب والتعرف على كل أحواله وتفاصيل حياته وأقواله ومواقفه وكل ما يتعلق به وهذا يستلزم الاطلاع على ميراث النبوة في الصحاح وقرءاته باستمرار، وتصديقه وتقديمه على عقولنا وأهوائنا وعندما يستشكل علينا أمر من الأمور ورد في سنته فلابد أن نقتدي بأبي بكر رضي الله عنه عندما نقل إليه خبر الإسراء والمعراج فقال: إن كان قال فقد صدق.
• توقير اسمه ورفع شأنه، والصلاة عليه كلما ذكر اسمه والتعبد بذلك، يقول المولى سبحانه وتعالى:( ورفعنا لك ذكرك –4 /الشرح)، ويقول:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما -56/ الأحزاب)، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام:(من صلى علي صلاة صلى الله بها عليه عشرا) رواه مسلم/ 875، والترمذي/ 486، وأبو داود/ 523، وغيرهم، وقال r :( البخيل من ذكرت عنده ولم يصل عليّ) كما ورد في مسند الحسين بن علي ومسند الإمام أحمد/1762.
• وينبغي أيضا الانصات في كل مجلس تقرأ فيه أقواله واعتبار ذلك في غيبته كحضوره تأدبا معه وحفظا لمكانة هديه وقوله، وقد قال بعض أهل العلم - في تفسير قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون – الحجرات/2)- قالوا: إن رفع الصوت فوق صوت من يقرأ الحديث هو بمثابة رفع الصوت فوق صوت الرسول عليه الصلاة والسلام ويخشى أن يؤدي لإحباط الأعمال.
• حب آل بيت النبي r وهم أزواجه وأولاده وأحفاده وأقاربه، يقول القرآن الكريم في سياق حديثه عن أمهات المؤمنين:( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) الأحزاب/33، ويقول المولى في سورة الشورى:( قل ما أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الآية23، حمل أكثر المفسرين ذلك على أهل بيت الرسول وإن كنت أرى أن المودة في القربى هي الرغبة في التقرب والعبادة لأن السورة لم ترد فيها ذكر لأهل البيت على الاطلاق، وعلى أية حال فحب أهل البيت حب للنبي وبسبب حبه لهم وهم يستحقون الحب لذواتهم علاوة على ذلك.
• لابد لمحب الرسول r أن يتريث ويتبين من معنى حديث قبل أن يقول فيه بالرأي والظن، حتى لايحمل قولا من أقواله على غير مراده، ولا ينسب إليه ما لم يقله بالشرح السيئ، وعليه ايضا أن يتأكد من صحة نسبة أي حديث إلى النبي قبل أن يذيعه بين الناس خوفا من الكذب عليه وقد قال r : (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبؤ مقعده من النار) (رواه البخاري/1291، ومسلم/5، وأبو داود/3653، وغيرهم