- قيمة الإيمان والمادة وأثرها في واقع الحياة
وإن شئتم أن نأخذ نماذج حديثة لنعرف بها قيمة الإيمان الذي أنعم الله به علينا، ففي هذه الأمة وفي النفوس جمعاء عادة يجب أن نعلمها، وهي من أسوء ما يعتري النفس الإنسانية، ألا وهي النسيان، والملل، وعدم التفكر، أو تبلد الإحساس؛ فمثلاً الذي يعيش في النور باستمرار.. لا يحس بقيمته، لماذا؟ لأن ذلك أصبح عادة في حياتنا؛ فلا نعرف قيمة هذه النعمة، كمثل رجل في البادية في مكان بعيد يعاني من الظلام في الليل، فهو كل يوم يتذكرها. نحن لا نتذكرها، وقس على ذلك النعم العظيمة، فنحن في نعمة الإيمان لكننا لا ندرك قيمتها، والنور يغمرنا ولكن لا ندرك قيمته، ولا نجد أثراً لتلك النعمة في قلوبنا.
أمَّا الصحابة الكرام فإنهم لما عرفوا قيمة هذا النور؛ جاهدوا في الله حق جهاده، وتجردوا لله عز وجل، فلم تأخذهم في الله لومة لائم، فقد تركوا المال والأهل والدنيا وخرجوا لله للجهاد، ففتحوا وتعلموا وعلموا، فهذا حال الصحابة الكرام الذين عرفوا قيمة النور وقيمة الإيمان، لكن! متى انتقض الإسلام شيء فشيئاً؟! كما قال عمر رضي الله عنه: «إنما ينتقض الإسلام إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية» أي: لا يعرف خطر الشرك والكفر، والبدعة، ولا يعرف قيمة وأهمية الإيمان.
أحوال الأمة اليوم مع الإيمان والمادة
والمؤلم أن كثيراً منا ينظر إلى العالم الغربي، وهو العالم الذي يعاني أشد المعاناة من المعيشة الضنكة والحياة النكدة؛ لأنه بعيد عن الإيمان بالله، ينظر إليه نظرة الإعجاب، ويتمنى كثير منا -ربما عن طيب نية- أن تصل مجتمعاتنا إلى ما وصلت إليه تلك المجتمعات من الرقي والتقدم والسعادة، فماذا يريدون، وأي سعادة يريدون في أوروبا وفي أمريكا الإنسان مكفولة له الحرية الشخصية؛ فيقول ما يشاء ويذهب أين شاء.
الحياة المادية مكفولة؛ فيعطى السكن المجاني بأقساط زهيدة، ويعطى فرص الحياة كما يشاء، والمريض إذا مرض بمرض مقعد أو ما أشبه ذلك يعطى بطاقة في جيبه.. يأكل بها في أي مطعم، وتدفع ذلك الحكومة.
ومن جهة الترفيه؛ فكل وسائل الترفيه موجودة ومهيأة، فيذكرون أموراً كثيرة جداً، وكيف أنهم يعيشون في العمارات الشاهقة، ولديهم الشركات الضخمة، وكذلك إنتاج الأسلحة في أقوى ما يمكن، وإنتاج الأدوية والزراعة، وكل وسائل الحياة الدنيا متوفرة لديهم، فيتحرقون ويتشوقون أن يكونوا أفراداً لتلك الأمم ويتمنون أن بلادهم وأمتهم تكون مثل تلك الأمم.
هذه النظرة الظاهرة السطحية إلى حياة تلك الأمم نظرة الذين لا ينطلقون في نظراتهم ويقيمون معاييرهم وموازينهم بميزان الإسلام، وبما جاء في كتاب الله وسنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، فلو أننا غيرنا النظرة، ونظرنا بمنظار حقيقي كيف تعيش هذه الأمم على حسب ما جاء به كتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، فماذا نجد؟
نجد الشقاء كل الشقاء والانهيار المحتوم الذي لا تغني ولا تجزي عنه كل هذه الوسائل، وكل هذا التقدم المادي المرضي، لكنهم يعيشون في شقاء، الأثرياء في شقاء ونكد وخوف، والفقراء كذلك في شقاء ونكد وخوف، فالرجل هناك يعمل ثمان ساعات في دائرة حكومية تضمن له مرتباً كافياً، ومع ذلك لابد أن يبحث عن عمل في إحدى الشركات في المساء أيضاً لكي يضمن كما يقال المستقبل، لأنه يخاف على مصير أولاده، فيخشى أكثر بكثير جداً من الرجل الذي يعيش في الدول الفقيرة كـالهند وبنجلادش وغيرها من الذي لا يجد إلا قوت يومين أو ثلاثة، وربما لا يفكر في المستقبل إلا قليلاً، فهذا هو الذي يهم أسباب القوة والرخاء فتجده يفكر الليل والنهار، مع أن رصيده مضمون له، ومع أن الدولة تعطي مأوى للعجزة، ومع ذلك كله لا راحة ولا طمأنينة أبداً، فهو يلهث ليل نهار.. مهما كان لديه من شركات ومؤسسات فإنه يخاف المستقبل، فهاتفه يجلب عليه ضيق، فيأتيه عن طريقه فقط خمسة أعمال وهموم في وقت واحد، كما نجده عند أغنيائنا الكبار أيضاً.
تفكيره وهمومه الدولار أو الجنيه انخفض أو ارتفع، وهل زاد التأمين أم انخفض؟! فهو مشغول العقل ليلاً ونهاراً من أجل هذه الدنيا، ومع ذلك: إن جالسته تجده مهموماً مغموماً يخاف من المستقبل ويفكر في الانهيار والخسارة أكثر مما يفكر بها الإنسان العادي، حتى أن نسبة الانتحار في العالم الغربي، وكذلك مع الأسف في العالم الشرقي والعالم الإسلامي عالية جداً، وأيضاً يزداد التفكك في الأسرة، شيء عجيب جداً يعيشه هذا العالم البعيد عن دين الله، وعن الإيمان به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
النكد مرسوم على ملامحهم، والحياة الشقية مرسومة على وجوههم، فيهربون ويلجئون منها إلى المخدرات، فلا يجدون فيها إلا الوبال، فيهربون منها إلى الشهوات المحرمة، فظهرت لهم هذه الأوبئة التي حجزتهم وحرمتهم عن هذه الشهوات وهذه المتع، فأين يذهب هؤلاء الناس؟! أين يذهبون؟! أما نحن المسلمين فإننا نعرف قوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات:50] وقوله: ﴿لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ [التوبة:118] ولكن! هم والله لا يدرون؛ ولذلك فهم يحارون ويحارون! فيعلقون الآمال على ما عندهم من العلم كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [غافر:83] فالأوبئة تعالج بأن العلم سيكتشف لها مضادات؛ والانهيار الاقتصادي أو الخوف الاقتصادي يعالج بالخطط طويلة المدى؛ والخوف المستقبلي يعالج بأن الحياة مضمونة ومكفولة وكذا وكذا، كل ذلك ضمن النظرة المادية القاصرة.
مثله كمثل المسجون في قفص؛ فكل مرة يفكر ويحلم بأن القفص سوف يتسع فيطير وهو مرتاح، وما درى أنه لن يتسع أبداً؛ وإنما لا حل له إلا أن يخرج من ذلك القفص، ولن يخرج من قفص الدنيا ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة إلا الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
السبب في عدم نزول عقاب الله على دول الكفر
يتساءل أحدنا -وهو سؤال مهم-: لماذا لم يعجل الله العقوبة لهذه الأمم وهو قادر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأسباب الانهيار موجودة فيهم والكفر والإلحاد -أيضاً- موجود؟
والجواب: يجب أن نعلم أولاً: هل قامت الحجة على هذه الأمم؟ ومن الذي دعاهم؟ فإن دعوا إلى الحق ورفضوه استحقوا العقوبة من عند الله أو بأيدي المؤمنين، لكننا نحن المسلمين ببعدنا عن الله عز وجل نسهم في بقاء هذه الأمم الكافرة قوية ومسيطرة؛ لأننا لم نقم حجة الله عليها حتى ينزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عذابه عليها.
فالله تعالى جعل سنناً لكل شيء، فيعدل بعضها ببعض، ويولي بها بعض الظالمين بعضاً، لكن لو أننا أقمنا حجة الله عليهم لنصرنا الله عليهم، أو لأهلكهم بعذاب من عنده كما يشاء، ولكننا تبعاً لهم، فنحن نردد ما يقولون، ونؤمن بما يقولون، ونسعى إلى أن نكون مثلهم في التقدم والرخاء والمدنية والحضارة، إذاً كيف نرجو النصر والفلاح ونظرتنا هكذا؟! ونحن الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:110] لكننا نقول: نريد أن نلتحق بركبهم ويكفينا ذلك كما يردد البعض، والله تعالى يقول: ﴿مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج:18] فنحن عندما نقول ذلك، وعندما تكون غايتنا أن نكون في الذيل؛ فلن يجعلنا الله قادةً أبداً.
تحمل هذه الأمة لمسئولية نشر الإسلام
كيف تكون حياتنا مطمئنة وسعيدة؟ وكيف نقضي -أيضاً- على الكفر والشرك والشر والضلال في العالم؟ نحن الذين أخرجنا للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فنحن مسئولون عن المظالم التي تقع، وحتى عن الفجور والشرور الذي يقع من الكفار في بلادهم.
فهذه تعتبر مسئولية على المسلمين؛ لأنهم هم الذين يملكون كلمة الله التي لم تحرف وتبدل، وماذا نصنع في ظل العالم الذي أصبح كالقرية، فتظهر الفكرة الخبيثة في الغرب في المساء وتصبح عندنا، وفي هذا العصر من غير المستطاع أن تعيش أمةٌ بمعزل عن العالم، ولهذا لابد أن نواجه هذا الواقع بهذا الإيمان القوي الصحيح، ولعل في ذلك حكمة وهي: أننا عندما نواجه هذا الواقع وقد ذقنا الأمرين منه، فإن ذلك يكون بداية لأن يصل هذا الدين وينتشر في الدنيا كلها، وأن (يبلغ ما بلغ الليل والنهار) كما ذكر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-.
إذاً فمن أين يبدأ العلاج؟ إنه يبدأ من ذواتنا ومن أنفسنا، وهذه ميزة عظمى في هذا الدين المنـزل من عند رب العالمين وهي أن الإصلاح يبدأ من الفرد، فليس هناك قبل ذلك شيء، فكل إنسان يجب أن يصلح نفسه ويتزود من الإيمان بالله إيماناً حقيقياً بالتمسك بسنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، وبالدعوة إلى الله على منهج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعلم أنه سوف يموت ويقبر ويبعث يوم القيامة فرداً، وسوف يحاسب على كل شيء، فليس هناك حساب جماعي أو أن العقوبة تكون جماعية؛ لأن المسئولية في الأصل هي على كل إنسان، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء:13] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد حدد في آيات كثيرة أن المسئولية فردية.
كيف نحقق النصر؟ وما هي أسبابه
من حكمته عز وجل ورحمته: أن الأفراد مهما قل عددهم إذا قاموا بدين الله وعلى منهج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم- وأظهروه ودعوا إليه؛ فإن الله عز وجل قد ضمن لهم وتكفل لهم بالنصر، ذلك نصرٌ لا يمكن لأحد أن يحول بينهم وبينه، بشرط أن تكون الغاية هي ما عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83].
وإن من الأخطاء الكبيرة التي يحملها أصحاب الدعوات الإسلامية: أن يكون هدفها وغايتها قيام دولة الإسلام والخلافة الإسلامية التي تتمكن على العالم؛ حقاً أن المسلمين يجب أن يكون لهم خلافة، ويجب أن يكونوا هم المتمكنين في الأرض وليس في ذلك شك؛ لكن يجب ألا تكون هدفاً وغاية، وإلا فسدت النية، وهذه من ضمن المسائل التي يتحقق بها وعد الله عز وجل، فإذا فسدت النية؛ لم يتحقق النصر، لكن إذا كان الهدف هو الله والدار الآخرة، وأن ينجي الإنسان نفسه من عذاب الله سواء مات الآن أم مات بعد حين، وسواء تحقق النصر على يديه أو لم يتحقق؛ فهو في كل الحالات منتصر إذا استقام على التوحيد والإيمان، فأنبياء الله ورسله -مثلاً- الذين لم يتبعهم أحد كما قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-: (ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ومعه الرهط -أو الرهيط- والنبي وليس معه أحد) هم لم يخسروا شيئاً، انتصروا؛ بل لأنهم حققوا ما أمر الله به، ودعوا إليه، هذا هو واجبهم، فإذا لم يستجب لهم أحد فليس ذلك عليهم، بل هو لله وحده.
لذلك فإن الذي يريد الدار الآخرة، والذي يريد أن ينصره الله في هذه الدنيا، فعليه:
أولاً: أن يحقق حقيقة الإيمان، ويبدأ بإنقاذ نفسه من المعصية والقيام بطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثانياً: أن يحرر رغباته من حب الدنيا والتعلق بشهواتها ومناصبها إلى الدار الآخرة، وليكن رجاؤه عند الله ورغبته فيما عن الله تبارك وتعالى.
فالأنصار -مثلاً- بايعوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم- على ماذا؟ وماذا كفل لهم الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-؟ كفل لهم الجنة كما في الحديث: (قالوا: وما لنا يا رسول الله؟ قال: الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل) لكن نحن عندما عظمت عندنا الدنيا؛ هانت عندنا الجنة، فمن الآن يحدثنا عن الجنة؟ ومن منا يتذكر نعيم الجنة؟ لقد شغلنا بزخرف الحياة الدنيا، التي (لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) وكما جاء في الحديث (مر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم- ومعه جمع من أصحابه بجدي أسك ميت، فأخذه الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم- بأذنه وقال: من يشتري هذا بدرهم؟ قالوا: يا رسول الله! لو كان حياً ما اشتراه أحد؛ لأنه أسك، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-: فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) وما قيمة الدنيا إذا تجردت عن الإيمان بالله إلا كجيفة فلتكن حضارات، أو صناعات، أو قصوراً، أو ملكاً عظيماً، لكنها إذا تجردت عن الإيمان بالله فإنها جيفة، لكن إذا ارتبط ذلك بالإيمان بالله فإنها تتحول إلى الحياة الطيبة، فإنه لم يقل: بكثرة المال، لأنها للكفار وهم أشد الناس وأكثرهم عقاباً وعذاباً قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:44] وأما للمؤمنين فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف:96] فلم يقل كل شيء؛ وإنما قال: (بركات من السماء والأرض) فهي بركة وإن كانت قليلة وإن قل الراتب، مثلاً أو قلت الوظيفة ففيهما بركة، فهذه الحقيقة التي يجب أن تكون في حسنا وفي إيماننا وشعورنا.
إن إنقاذ قيادة أمتنا لا تكون إلا بذلك، وإنقاذ هذا العالم الذي يتردى في الظلام والكفر والإلحاد والظلم والفساد، وتفتك به الأمراض القلبية، والأمراض الاجتماعية والنفسية، لا علاج لذلك كله؛ إلا بالإيمان الصادق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأن يصبح الإنسان وهمه الدار الآخرة، وأن يمسي وهمه الآخرة، ولو أن الأمة وصلت لهذه الحقيقة لتغيرت نظرتها إلى كل شيء، ولكن كيف ننظر نظرة سليمة ونحن نعظم الدنيا، وننسى الآخرة، ونحسب حساب كل شيء بالمعيار وبالميزان الاقتصادي والمادي، حتى العلاقات بين الأسر أصبحت تقاس بالمادة، فالعرض والشرف هو أغلى شيء كان يملكه الإنسان في جاهليته، وهو أغلى شيء في دينه أيضاً بعد إسلامه، أما الآن أصبح كل شيء يقاس بالمادة، أصبح الإنسان يرضى أن يدنس عرضه ويعرضه للشرور من أجل دراهم معدودة.
إذاً، سخرنا كل شيء من أجل المادة، وشغلنا بعيوب الناس وننتظر إصلاح نفوسهم، فكأن صلاحنا مرهون بصلاحهم، فأصبح كلامنا عن الناس هو حالنا؛ لكن كم منا من يتكلم عن نفسه؟! ومن منا من يحاسب نفسه؟! ومن منا من ينظر إلى ذنوبه وإلى عيوبه؟! وأقل من ذلك، من منا الذي إذا أهدي إليه عيب من عيوبه فرح وحمد الله تعالى وشكر له وشكر صاحب الهدية؟! ومن منا الذي إذا أرشده إنسان إلى سنة من سنن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم- كان يتركها يفرح، ويستبشر أنه عرف السنة وترك البدعة؟! فكيف مع هذا نرجو أن يغير الله ما بنا من حال! والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11] لا يمكن أبداً، فلن يجاملنا الله عز وجل لأننا ندعي أننا مسلمون أو أننا أمة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، لا إنما هو حق وإيمان ودين فما دان الله عز وجل وما حابى أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما عصوا أو وقع من البعض الانحراف في مراحل معينة في أُحد -مثلاً- وفي يوم حنين وفي غيرها أبداً! فالله غني عن العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإذا أن ننقذ أنفسنا وأردنا أن نفوز برضا الله عز وجل وبسعادة الدارين فهذا هو المنطلق.
فالواجب علينا دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة، والإيمان الصحيح، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، إنها ليست مجرد آراء، ولا تعصب لأشخاص، ولا انتماء لطائفة من المسلمين قديماً أو حديثاً؛ لكنها المفتاح والطريق والمخْلَص والمنقذ الوحيد.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا جميعاً وأمتنا كلها للعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم-، والتمسك بهداه إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.