الحلقة 22:
ما زال الحديث موصولاً عن هذه الآيات المحكمات في سورة الروم التي يرسم الله تعالى بها الطريق إقامة الوجه لله تبارك وتعالى على مراده فينا وقفنا عند قواه تعالى (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة) ووضحنا كيفية إقامة الصلاة على مراد الله فيها وكيف يصلي المسلم وهو يقرأ الفاتحة ثم في الركوع ثم في السجود وفيما بينها كل الحركات يفعلها كما أمر الرسول r هذا الذي أساء صلاته ساعة قال له إقرأ أي قم وأنت مطمئن واركع وأنت مطمئن واسجد وأنت مطمئن ثم قال له واجعل ذلك في صلاتك كلها قم حتى تطمن قائماً واركع حتى تطمئن راكعاً. الاطمئنان في الركوع والسجود صعب التصور فيما يحدث مع الناس، أحياناً بعد الناس لا يطمئنوا في الركوع والسجود لذا نسمع تعبير الرسول r قم حتى تطمئن قائماً واركع حتى تطمئن راكعاً لذلك قلنا نقول سبحان ربي العظيم ثلاثاً وتعطينا اطمئنان الركوع وسبحان ربي الأعلى ثلاثاً يعطينا اطمئنان السجود لأن كل حركة في الصلاة لها إبداع في التوقيع لله رب العالمين. لفتنا الأنظار في الحلقة السابقة إلى قراءة الفاتحة في الصلاة وما قاله رب العالمين في الحديث القدسي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين. ثم لو نظرنا إلى بقية الآية (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) هل يمكن لواحد ينيب إلى الله ويتقي الله ويقيم الصلاة (ولا تكونوا من المشركين)؟. ليس هذا هو المعنى وإنما إذا انبت إلى الله وأتقيت واقمت الصلاة لا يمكن أن تكون من المشركين ولا يمكن أن تشرك بالله. هو سينيب إلى الله والإنابة في حد ذاتها أي عاد الله قاطعاً كل صلته له بما عدا الله تبارك وتعالى إذن هو مع الله ولما عاد إلى الله وأناب إلى الله لم يتخذ أحداً وسيلة أو سبيل إلى الله. والله تعالى في توقيع آخر فريد ومبدع قال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) هذه الآية من الآيات التي أتى الله بها بعد توضيح آيات الصيام قبل أن يأخذ الأحكام فقال للرسول r (وإذا سألك عبادي عني فأkي قريب أجيب دعوة الداع) نأخذ الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. كأني بالآية يوصّف الله تعالى كنهه إذا سئلت يا محمد فإني قريب. والشاهد في الآية أن جميع الأسئلة التي سُئلها الرسول r التي جاءت في القرآن الكريم وردت بصيغة (قل) (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) أو (فقل) (يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً). لكن الآية معنا عن كنه الإله الحق وتوصيفه بالنسبة لي فإني قريب لم يقل فقل إني قريب وهذا يشعرنا أن الله تبارك وتعالى لا يحب ولم يشأ أن يكون بينك وبينه واسطة ولا سبيل ولا وسيلة. نقف عند (ولا تكونوا من المشركين) إياكم بعد أن تنيبوا إلى الله وتتقوه وتقيموا الصلاة أن تقول سأمشي وراء فلان أو على الطريقة الفلانية لأنك ستكون من المشركين؟ ما عيب الشرك؟ (ولا تكونوا من المشركين من الذي فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً) فرّقوا أي تشيعوا وعملوا فرقاً وجماعات لذلك يجب علينا كمسلمين أن نرفض تماماً مسألة التقسيم المذهبي أو العرقي أنا مسلم ولا يهمنا طريقة كذا أنا ربي الله ورسولي محمد r وذكرنا أسئلة القبر في حلقة سابقة لن يسألك في القبر عن شيخك في الطريقة أو المذهب، لذلك أهل الشرك فرقوا دينهم وكانوا شيعاً والبديع والعجيب أنه (كل حزب بما لديهم فرحون) فرحون يعني يتمسكون بما هم عليه فإذا قلت لهم أن هذا حرام يقول لم لا أستطيع ويجب أن أسأل شيخي مع أنه لدينا آية في القرآن (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) يقولون نحن ى ندعوه ولكنهم سموا المسجد بأسماء هؤلاء الناس، المسجد الحرام إسمه مطلق أو إذا أردت أن تطلق اسماً على مسجد أطلق عليه أي إسم لا يتعلق بشخص مثل مسجد التقوى، مسجد الرحمن، عملاً بقول الحق (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) والرسول r قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك واترك أي موضوع فيه شك ولذلك (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) بعض القُرّاء منهم الكسائي وعلي بن ابي طالب وحمزة وابن عامر في إحدى الروايات قرأوها (من الذين فارقوا دينهم) إذا اتبعت سبيلاً أو مذهباً أو شيخاً فقد فارقت دينك لأن الدين دين الله ودين الله هو الإسلام والإسلام لا يعرف التحزب ولا الطرق ولا المشيخة والإسلام دين الله فالمنهج الذي سيعبد الله من خلاله لله. والله تبارك وتعالى يرسم الطريق لإقامة الوجه قال (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة) هذه الثلاث تعمل كل حالة العصمة يعمل لك حالة العصمة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) أسأل الله أن لا نكون من هؤلاء أبداً وأن نكون على دين الله وسنة رسوله r.
رسم الله تبارك وتعالى الطريق السوي المستقيم لعبادته فعلمنا أن ننيب إلى الله وهذه الآية تحتاج إلى وقفة (منيبين إليه) كأننا ساعة نريد أن نكون على الصراط المستقيم سبق لنا أن تشعبت بنا الأهواء وتفرقت بنا الطرق فالناس بين غير فاهم أو تائه فساعة يقول تعالى (منيبين) صان احتمال كل واحد لحالته وأن الله سبحانه وتعالى يقبل العودة إليه مهما كانت ظروف هذا الإنسان حتى لو أنك اتُخذت إلهاً من دون الله وتبتَ إلى الله تعالى قَبِل الله توبتك مهما كانت ذنوبك الله تعالى يقبل التوبة طالما عاد الإنسان إلى ربه ولذلك في سورة الفرقان بعد أن ذكر تبارك وتعالى أكبر ثلاثة كبائر الشرك والقتل والزنا (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) هل هناك أكبر من هذه الكبائر الثلاثة؟ وتوقيع الإله الحق عمن يفعل هذا أو واحدة منها أو الثلاثة معاً فقال (ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً)، (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) الإسلام والمسلمون يعيشون على هذا الأمل وهي التوبة التي وصفها تعالى في سورة الروم بقوله (منيبين إليه) وهنا قال (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) وكأني به ساعة عصى خرج من الإيمان فيلزم له وهو عائد إلى الله أن يجدد الإيمان. في سورة الفرقان قال (إلا من تاب وآمن) وفي سورة الروم قال (منيبين إليه واتقوه)، هناك إيمان وهنا تقوى، هناك توبة وهنا إنابة، هناك إيمان وهنا تقوى ومن أخص العمل الصالح عدم العودة إلى المعصية التي ارتكبها (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) كان الله منذ الأزل غفوراً رحيماً، وكان الله بذاته وفي وجوده المطلق الأزلي غفور رحيم ولذلك مهما كانت ذنوبك الله تبارك وتعالى يقبل والله يرسم الطريق لنا جميعاً لذلك علينا أن لا نغتر بإيماننا وإنما علينا أن نعود إلى الله ونتوب إلى الله ونتعلم كيف تكون التوبة؟ واسمعوا للرسول r" يا أيها الذي آمنوا استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" لا تقل أنا جيد وأصلي في المسجد ولم أفعل شيئاً، هذه تحتاج إلى توبة، هذا الغرور يحتاج إلى توبة وقد حذرنا الله تعالى ( فلا تغرنكم الحياة ولا يغرنكم بالله الغرور) الغَرور من أخص أسماء الشيطان. الذي يغرك في الحياة إثنان: الدنيا بما لها وما عليها والشيطان وقبل الدنيا والشيطان النفس العاصية لأن هناك من يتصور أن الشيطان هو الذي يغر فقط حتى في رمضان نسمع الناس يقولون الشيطان مصفدة لكن الشياطين تسلسل بأفعالك أنت والشياطين تصفد بأعمالك أنت فأنت تستطيع أن تصفد الشيطان أو تتركه لو صفدت الشياطين لك في رمضان فعلى ماذا ستأخذ الأجر؟ إذا صفدها الله تعالى إذن ليس لك أجر لكن الحديث إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة أي بأعمالك وغلّقت أبواب النار أي بأعمالك وصفدت الشياطين بأعمالك حتى تأخذ الأجر لذلك يجب أن تصحح المفاهيم ونعيد الأمور إلى ما كان يجب أن تكون عليه ولذلك آية سورة الروم ترسم الطريق الواضح لا للإنابة وإنما لإقامة الوجه فالإنابة هنا وسيلة إقامة الوجه لله وفي سورة الفرقان رسم طريق التوبة وذكر أكبر ثلاثة كبائر الشرك والقتل والزنا ومع ذلك يبدل الله السيئات ولا يغفرها فقط (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) وهنا (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) الله تبارك وتعالى ساعة رسم هذا الطريق حذرنا في الآية التالية (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ (33) الروم) منيبين الأولى كانت الوسيلة لإقامة الوجه لله وبتوجيه من الله تعالى (منيبين إليه واتقوه) حتى تقيم الوجه لله، (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) والثانية (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ) إذن الإنابة هنا مدّعاة ليست حقيقية لما تشعر أنك في ورطة تقول يا رب، وحتى المشرك والكافر إذا ضاق عليه الأمر قال يا رب هو ينادي القوة العظمى في تصوره، هو يريد من يخلصه مما هو فيه فشعر في قلبه أن الذي أشرك فيه مع الله لن ينفعه فقال يا رب (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ) فالإنابة هنا غير (منيبين إليه واتقوه) هؤلاء قطعوا الطريق بينهم وبين أي شرك لعله ينجو، (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) يعرض المولى عز وجل بعد الطريق الذي رسمه للإنابة والتقوى والصلاة وعلمنا كيف نعبده سبحانه على مراده فينا دون أن نشرك به أحداً بدأ يعلمنا أن بعض الناس يفعل هذا وإياكم أن تكونوا من هؤلاء وإياكم أن تكون إنابتكم عند المصائب فقط (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) يعني ما قطعوا الطريق بينهم وبين كل سبل الشرك إلا لينجو من هذا الذي وقع فيه فلما ألجأه الوضع الذي هو فيه دعا الله وجلس في المسجد وقال يا رب لكنه غير صادق بدليل أنه أول ما أذاقه الله رحمة أشرك بالله وأول ما فرِّج عنه الكرب قال فلان نفعني ولذلك لما على سبيل المثال إذا مرض ابنك قبل أن تبحث عن الشافي تبحث عن طبيب، لكن أين الله في قلبك؟ نحن لا نقول لا تذهب للطبيب نحن مع الطب والبحث ونحن ندعو الناس أن يتركوا ما يقولونه عن العلاج بالقرآن واذهبوا للأطباء فالقرآن كتاب هداية منهج وليس كتاب شفاء أو طب وهناك من يخصص آيات للكلى وآيات للقلب وغيرها من الكلام الفارغ، نحن نقول إذهب إلى الطبيب لكن ليكن في ذهنك أن الطبيب يعالج ولا يشفي وإنما الشافي هو الله،
إن الطبيب له علم يدل به إن كان للمرء في الأيام تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخانته العقاقير
الطبيب يعالج الأمر ولكنه لا يشفي والشافي هو الله ولذلك كل شريعة كل عندك من غير عقيدة ليس إسلاماً لأن الإسلام مبني على عقيدة وشريعة وأنت تبحث عن دكتور هذا جيد لكن عقيدتك من هو الشافي؟ الله وطالما قلت الله فجدد إيمانك وتقواك وأقم صلاتك. أسأل الله تعالى أن تكون هذه الحلقة فاتحة خير لنا في تصحيح بعض الأمور