الجواب :
الحمد لله
يشترط لقبول التوبة من الذنوب المتعلق بحقوق العباد : رد المظالم لأهلها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6534) .
فإن كان أخذ منه مالا غصبا أو حيلة ، تحلل منه واستسمحه ، أو رده إليه بأي وسيلة ممكنة ، ولا يشترط إعلامه بذلك ، فإن مات دفعه إلى ورثته .
وإن عجز عن الوصول إلى المظلوم ، تصدق بالمال عنه .
وإن عجز عن دفع المال ، ولم يمكنه التحلل من المظلوم ، فليتب فيما بينه وبين ربه ، ولعل الله أن يؤدي عنه يوم القيامة .
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (11/ 246) : " وإن تعلق بها – أي : بالمعصية - حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس : وجب مع ذلك –أي : مع التوبة - تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه .
ويجب أن يُعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يُوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك ، فإن مات سلَّمه إلى وارثه ، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره : دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرته وديانته ، فإن تعذر : تصدَّق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ...
وإن كان معسراً : نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة : فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة .
قال النووي : قلت : ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها .
فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات : فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه ، والمرجو أن الله تعالى يعوِّض صاحب الحق ...
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب : فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار ، وإن بلغته … فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه ، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة : استغفر الله تعالى ، ولا اعتبار بتحليل الورثة ، هكذا ذكره الحناطي " انتهى .
فالحقوق المادية يلزم ردها للمظلوم ، والحقوق المعنوية يكفي فيها الندم والاستغفار إذا لم تبلغ المظلوم .
وما ذكرت من " تقليل زياة الموظف " أو عدم منحه الدرجة التي يستحقها فيه اعتداء مادي وهو حرمانه من مال كان يستحقه ، وفيه اعتداء معنوي بتأخيره عن درجته .
وعليه ؛ فيلزمك تجاه الحق المادي : التحلل من صاحبه ، أو دفع المال إليه ، وهو مقدار ما حرم منه بسبب ظلمك له .
ولك أن تستعين بمن يشفع لك عند المظلوم ويطلب العفو منه .
فإن عجزت عن الأمرين فأكْثِرْ من الندم والاستغفار ، وسل الله تعالى أن يؤدي عنك يوم القيامة .
وأما الحق المعنوي ، فإن كان لم يعلم بظلمك له ، فيكفيك الندم والاستغفار ، وإن كان قد علم به لزمك التحلل منه ، ما لم تخش حدوث مفسدة أكبر إذا علم .
ونسأل الله أن يتقبل توبتك ويبرئ ذمتك ويعينك على طاعته .
والله أعلم .