بتـــــاريخ : 10/5/2009 6:20:08 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1268 0


    الأمن والأمان

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :
    الامن الأمان خطب مكتوبة

    الأمن والأمان

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]
     يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء: 1]
     يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  [الأحزاب: 70-71]
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
     ثم أما بعد:
    فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائمًا وأبدًا على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    أحبتي في الله:
    إن العالم اليوم محروم من الأمن والأمان، رغم هذه الوسائل الأمنية المذهلة التي يُخترع منها كل يوم الجديد والجديد، ورغم هذا التخطيط الهائل المبني على الأُسس العلمية والنفسية لمحاربة الجريمة -بالرغم من هذا كله- فإن العالم بأسرِهِ ما زال محرومًا من الأمن والأمان.
    وإن الملايين من البشر في عالمنا اليوم يعيشون في حالة من الرعب والفزع!! والذعر والخوف والقلق!! بل وينتظرون الموت في كل لحظة من لحظات حياتهم لما يرونه من إبادة للجنس البشري، ولما يرونه من رُخْصٍ شديد للدم البشري بل لقد تحولت هذه الأمنية ذاتها -من رؤوس نووية وطائرات وقنابل وصواريخ- والتي اختُرِعَتْ وابتكرت لحماية العالم وأمنه واستقراره تحولت هذه الوسائل إلى مصادر رعب، وفزع، وهلاك، وخوف، واضطراب!! وتعالت الأصوات ... وصرخ المفكرون، والباحثون، والأدباء، والسياسيون هنا وهناك، لنَزع هذه الرؤوس، وتقليص هذه الوسائل هنا وهناك.
    وبالرغم من هذا كله أقول: لا زالت الملايين من البشر في عالمنا اليوم تعيش حالة من القلق، والفزع، والخوف، والاضطراب!!
    وهكذا أيها الأحبة حُرِمَ العَالَمُ اليومَ من الأمن والأمان -على كثرة هيئاته، ومنظماته، وقوانينه، ومواثيقه- حُرِمَ -بعد هذا كله- من نعمة الأمن والأمان، بل –ووالله- لا أكون مغاليًا إن قلت: أصبح الإنسان -في عالمنا اليوم- يفعل بأخيه الإنسان ما تخذل الوحوش أن تأتيه في عالم الغابات.
    إن العالم اليوم -بعد أن حُرِمَ من الأمن والأمان- نراه قد حُرِمَ من الرخاء الاقتصادي على الرغم من دخول التقنيات الحديثة في كل مجالات الاقتصاد!! ... ولا زالت الملايين من البشر في عالمنا المنكوب تبحث عن لقمة الخبز فلا تجدها!! ... ولا زالت الملايين من البشر تَبْذُلُ مَاءَ وجهها للحصول على ثوب تستر به عورتها؟! ... ولا زالت الملايين من البشر تبحث وتبذل نفسها للحصول على المسكن!! ... ومنهم من يموت جوعًا ... ومنهم من يموت عطشًا ... ومنهم من يموت بردًا ... ومنهم من يسكن الجبال ويعيش بين المقابر والأطلال ... فقد حُرِمَ العَالم من الرخاء والسعة!!
    حُرِمَ العالم -اليوم- من الطمأنينة النفسية، والسعادة القلبية، وانشراح الصدر بعد الأمن والأمان وبعد السعة الرخاء!!
    أيها الأحباب: إن الإنسان إن لم يتوفر له الطمأنينة النفسية، والسعادة القلبية وانشراح الصدر، لا بستلذ بعيش وإن كان غنيًا ... ولا يهنأ بثوب وإن كان فاخرًا ... ولا يهنأ بمركب ولو كان فارهًا ... هذه فِطْرَةُ الله -جل وعلا- التي فَطَرَ الناس عليها، فلا تظن أن هذا المال ... وهذا المتاع ... وهذا الجاه ... وهذه الشهرة ... وهذه المناصب ... تعيد للنفس طمأنينتها، وتعيد للقلب انشراحه، أو تعيد للإنسان السعادة -وإن كان هذا جزء قليل من أجزاء السعادة لا أنكره- إلا إن راحة القلب، وانشراح الصدر، وطمأنينة النفس، لا تتحقق بمثل هذا، وإنما لا بد لها من دواء آخر.
    أيها الأحباب:
    إن الحرمان الأمني، والاقتصادي، والنفسي -الذي يعيشه العالم اليوم- وصفه الله جل وعلا في القرآن الكريم فقال تعالى:قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى[طه: 123-127]
    هذا والله -الذي لا إله إلا هو- هو الضنك الذي وصفه ربنا جل وعلا في القرآن آنفًا، ووصفه من لا ينطق عن الهوى في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم في المستدرك، وابن ماجه في السنن، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: «يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرينَ، خَصَالٌ خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُم بِهِنَّ، وأَعُوذُ بالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعلِنُوا بها، إَلاَّ فَشَى فِيهُمُ الطَاعُونُ وَالأَوْجَاعُ التي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمْ الذينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيْزَانَ، إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المَؤُنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم، إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ولَولاَ البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلاَّ سَلَّطَ اللهُ عليهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيْهِم، ومَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله، ويَتَخَيَّرُوا مِمَّا أنْزَلَ الله إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ»([1]).
    يقول النبي : « لَمْ تَظْهَرِ الفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعلِنُوا بها، إَلاَّ فَشَى فِيهُمُ الطَاعُونُ وَالأَوْجَاعُ التي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمْ » من منا بالأمس القريب كان يسمع عن الإيدز؟! من منا كان يسمع عن الأزمة القلبية؟! من منا بالأمس القريب كان يسمع عن جلطة المخ؟! من منا بالأمس القريب كان يسمع عن الزهري والسيلان والفشل الكلوي؟! من منا كان يسمع مثل هذا وذاك؟!
    « وَلَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيْزَانَ، إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المَؤُنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ »
    والله ما نقص المكيال والميزان فحسب، ولو نقص المكيال والميزان فقط لكان الأمر هينًا، بل لقد انقلبت الموازين بإثرها واضطربت المقاييس كلها.
    « وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم، إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ولَولاَ البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا» والله لقد تحايلنا على الزكاة ومنعنا الصدقات -إلا من رحم الله جل وعلا- وهذا المطر الذي يتنزل بعد هذا كله إنما هو رحمة من الله لأجل البهائم، والشيوخ الركع، والأطفال الرضع، ووالله لو نزل بلاء بهذه الأرض، فإن الحشرات والهوام يلعنان بني آدم لأنه لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلى بتوبة، ومن أخبار بين إسرائيل التي لا تصدق ولا تكذب قال :     «... وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ»([2])
    ذكر الحافظ ابن كثير أنه على عهد سليمان -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- أجدبت الأرض، وجف الضرع، وهلك الناس، فقال سليمان لبني إسرائيل: هيا بنا لنخرج إلى صلاة الاستسقاء، ونتضرع إلى الله -جل وعلا- لينزل علينا المطر، وفي طريقٍ مَرَّ على وادي النمل، فنظر سليمان وسمع نملة تناجي ربها -جل وعلا- وهو الذي فك الله له رموز النمل والطير كما قال الله –عَزَّ وجَلَّ- حكاية عنه:حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل: 18-19]
    عرف سليمان لغة النمل فاستمع إليها وهي تقول: اللهم إنك تعلم أنه لا ينْزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلا بتوبة، ونحن خلقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم.
    « وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلاَّ سَلَّطَ اللهُ عليهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيْهِم »
    أيها المسلمون: لقد نقضنا العهود -إلا ما رحم ربك- وعدنا لا نحترم المواثيق، فما الذي حدث؟! سُلبت أرضنا، وضاعت أملاكنا، وأصبحت الأمة أسيرة في أيدي أبناء القردة والخنازير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    « ومَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله، ويَتَخَيَّرُوا مِمَّا أنْزَلَ الله إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ » بأبي هو وأمي ها هو الضنك ... وذلكم هو الشقاء ... ذاك هو الهلاك الذي وصفه النبي ، حينما يُعْرَض الناس في كل زمان ومكان عن منهج الله جَلَّ وعَلاَ.
    هكذا أيها الأحبة حرمان أمني ... وحرمان اقتصادي ... ضيق في الصدر ... ضنك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ ... ضَنْكٌ وشقاء ... ولا أكون مبالغًا إذا قلت: أنه ما من يوم إلا وتُسفَكُ فيه دماء ... وتَتَمَزّقُ فيه أَشْلاَء وتُحْرَقُ بيوت ... وتدمر مصانع ومدارس ومزارع وصوامع ... بل وتباد حضارات بأكملها على أيدي هذا الإنسان الذي اخترع بنفسه وبيديه وسائل إبادته ووسائل فنائه، ووسائل تدميره في هذه الحياة!!
    إنه الضنك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[طه: 124]
    نتيجة عادلة ... وجزاء عادل!!
    أحبتي في الله:
    احفظوا عني هذه العبارات وانقلوها ورددوها ألا وهي:
    إن هذه الحياة البشرية من صنع الله:صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
    ولن تُفتَح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي سيقدم إليها من يد الله.
    إن البشرية -بكل ما تملك من حضارات، ووسائل تقنية حديثة- لتبدو تافهة القيمة مبتورة الهدف معدومة النفع إن لم تكن مرتبطة بمنشئها الأول وقدوسها الأجل الأعظم.
    أيها الأحبة الكرام: لا بد من عودة العالم إلى الله جل وعلا، وسيظل العالم كله بصفة عامة، والإسلامي منه بصفة خاصة يمشي في هذه الهاجرة، ويلفح وجهه هذا الحر القاتل، وسيظل يمشي في هذا التيه والظلام، وسيظل يمشي ويمر بهذا القلق، والضيق، والضنك، والذُّعر، ما لم يرجع إلى منهج الله -جل وعلا- مرة أخرى، لأن العالم الإسلامي فضلاً عن العالم الشرقي والغربي قد أعرض عن منهج الله، وأعرض عن ذكر الله –عَزَّ وجَلَّ- إلا من رحم الله -تبارك وتعالى- أين العالم من قول الله تعالى: ]إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ[ ؟!!
    أين القرآن في بيوتنا وفي معاملتنا الاقتصادية، وفي أحكامنا، وفي مصانعنا، وفي مزارعنا؟!! يل أين أخلاق الإسلام بين المسلمين؟!!
    والله لقد اتّصلت عليّ أخت كريمة فاضلة من مدينة رابغ بالمملكة السعودية وهي تبكي وتصرخ وتتألم لما رأته من أحوال المسلمين في الحجر وفي الطواف حول البيت تقول الأخت: معذرة ليس هذا طواف، ولكنه قتال ... نزال ... صراع ... القوي يفتك بالضعيف ... الرجل لا يراعي للمرأة حرمة ... ولا يراعي لها حجابًا ... إن المرأة التي صرخت يوم أن كُشِفَتْ عورتها فقالت: وا إسلاماه فماذا كانت النتيجة؟ جيوش جرارة أَجْلَتْ هؤلاء اليهود من المدينة، ولكن المسلمة في بيت الله نُزِع حجابها على أيدي لا أقول اليهود!! ... كلا وإنما على أيدي إخوانها من المسلمين وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!!!
    تقول: والله يا شيخ، ونحن نطوف كانت معنا أخت فاجأتها غيبوبة ونظرنا نبحث لها عن قطرة ماء، فنظرنا فوجدنا امرأة في الطواف تحمل إبريقًا من الماء البارد ... فحمدت الله –عَزَّ وجَلَّ- أن كان الماء قريبًا منا، وذهبنا مسرعين إليها وقلنا نريد قليلاً من الماء ... أختك تموت!! تقول: والله لقد أبت هذه المرأة المسلمة أن تعطينا قطرة ماء حول بيت الله الحرام!!!
    رحم الله أيامًا مَرَّت جُزْعَةُ الماء على الأطهار، الأبرار، الأخيار، فكان كل واحد يؤثر أخاه على نفسه، ومرت جرعة الماء على الجميع ثم عادت مرة أخرى إلى الأول وكان الكل قد سعد بالشهادة، وبجنة عرضها السموات والأرض، أين نحن من هؤلاء؟! أين أخلاق الإسلام؟!
    إن الإسلام خُلُقٌ ... الإسلام واقع ومنهج حياة ... الدين المعاملة ... فأين إسلامنا العظيم؟! أين الرحمة ؟! أين الحب ؟! أين السماحة ؟! أين الودُّ؟! أين قوله : «لاَ يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»([3])؟! أين قوله : «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمُكُم مَنْ فِي السَّمَاءِ»([4])؟! أين قوله : «الرُّحَمَاءُ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَن» أين قوله : «مَثَلُ المُؤمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وتَرَاحُمِهِمْ، وتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ»([5]) أين هذا الجسد الواحد؟!
    لقد أصبح المسلم ينهش في هذا الجسد، وإن استطاع أن يأكله لأكله بل ووالله إنا لنأكله في الليل والنهار وهو ميت كما قال ربنا جل وعلا: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ[الحجرات: 12]
     إن العالم الإسلامي سيظل يعيش في هذا القلق والضنك بعيدًا عن منهج الله –جل وعلا- وإن أراد السعادة والسيادة ليرجع إلى أصل عزه، ومصدر شرفه وفخره وكرامته ألا وهو الإسلام ورضي الله عن الفاروق عمر الذي قال: (كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
    نعم أيها الأحبة لقد حقق منهج الله في الأرض الأمن، والأمان، والسعة والرخاء والطمأنينة القلبية، والسعادة النفسية، وانشراح الصدور.
    لا أقول هذا رجمًا بالغيب ... لأنه واقع ... لأنه تاريخ مفتوح صفحاته لكل من أراد أن يقرأ، وأن يتعرف على الحقائق ... نعم ... تحقق الأمن والأمان لا أقول للمسلمين الذين نفذوا منهج الله، وإنما أقول لليهود والنصارة الذين عاشوا تحت ظلال منهج الله في أي بقعة من أرض الله جَلَّ وعَلا.
    نعم ... ذلكم اليهودي -وكلكم جميعًا يعلم القصة وغيرها كثير- اليهودي الذي سرق درع عليّ، وعليّ حينئذ كان خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولما رأى عليّ الدرع عند اليهودي قال: هذا درعي لا أتركه، فقال اليهودي: بل هو درعي!!
    أتدرون ماذا حدث؟! مَثُلَ عليّ -أمير المؤمنين وخليفة المسلمين- مع اليهودي أمام قاضي المسلمين، وقف في ساحة القضاء أمام شريح -رحمه الله رحمة واسعة- ولما دخل عليّ مع اليهودي أمام شريح فنادي شريح على عليّ قائلاً: يا أبا الحسن، فغضب عليّ فظن شريح سوءً قال: ما الذي أغضبك؟ فقال عليّ: يا شريح أما وقد كنيتني -أي ناديت عليَّ بكنيتي- وقلت يا أبا الحسن، فلقد كان من واجبك أن تُكَنِّيَ اليهودي هو الآخر. ما هذا الخلق؟! وما هذا الدين العظيم؟! وَمَثُلَ عليٌّ واليهودي أمام شريح، فنظر شريح إلى عليّ وقال: يا عليّ ما قضيتك؟ قال: الدرع درعي، ولم أبع ولم أهب، فنظر شريح إلى اليهودي فقال: ما تقول في كلام عليّ؟
    فقال اليهودي: الدرع درعي وليس أمير المؤمنين عندي بكاذب!!
    فنظر شريح إلى عليّ وقال: هل عندك بَيِّنة؟ فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر. قال: لا، وكان شريح رائعًا بقدر ما كان أمير المؤمنين عظيمًا، وقضى شريح بالدرع لليهودي، وأخ اليهودي الدرع وخرج ومضى غير قليل. ثم عاد مرة أخرى ليقف أمام عليّ وأمام القاضي وهو يقول: ما هذا الدين وما أروعه؟! أمير المؤمنين يقف أمامي خصمًا أمام قاضي من قضاة المسلمين، ويحكم القاضي بالدرع لي، والله ... ليست هذه أخلاق بشر، إنما هي أخلاق أنبياء، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فَسَعِدَ عليّ، وقال اليهودي: يا أمير المؤمنين .. الدرع درعك، فقد سقطت منك فأخذتها، فنظر عليّ مبتسمًا وقال: أما وقد شرح الله صدرك للإسلام فالدرع مني هدية لك، هذا الأمن والأمان لمن؟! لأبناء يهود تحت ظلال الإسلام الوارفة.
    هذا يهودي، وذاك قبطي الذي سبَّه ابن عمرو بن العاص في مصر، فغضب ابن والي مصر كيف يسبقه القبطي وجاء بعصا، وضرب هذا القبطي في رأسه، وقال خذها، وأنا ابن الأكرمين، وما كان من هذا القبطي الذي عرف عظمة الإسلام إلا أن يسابق الريح إلى واحة العدل، إلى المدينة المنورة -زادها الله تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا- إلى أمير المؤمنين، إلى فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويرفع له الشكوة فما كان من عمر إلى ان يرسل فورًا بان يأتي عمرو بن العاص من مصر مع ولده، ويقفان أمام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ويقف القبطي، ويرفع عمر العصا للقبطي ويقول له: اضرب ابن الأكرمين -اقتص- هذا هو العدل في الإسلام !! هذه هي عظمة دين محمد !! ويأخذ القبطي العصا، ويضرب رأس ابن عمرو، وهنا ينظر الفاروق عمر إلى عمرو، ويقول قولته الخالدة الشهيرة التي لا أقول تكتب بمداد من الذهب وإنما تكتب بمداد من النور: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!!
    بالله ... ما أروعه .. وما أتقاه ... وما أنقاه!! وبالله ما أعظم إسلامنا!!
    ويوم أن فتح أبوعبيدة بن الجرا بلاد الشام وفرض عليهم الجوية شريطة أن يدافع عنهم، وأن يحميهم من حرب الروم على أيدي هرقل، ويوم أن سمع أبو عبيدة رضي الله عنه بأن هرقل قد جهز له جيشًا جرارًا خاف أن لا يستطيع أن يداع عن هؤلاء الذين أخذ منهم الجوية فرد عليهم الجوية مرة أخرة، وقال: لقد سمعتم بهرقل أنه جهز لنا جيشًا، ونخشى أن لا نتمكن من الدفاع عنكم مرة أخرى.
    هذا منهج الله ... يحقق الأمن والأمان في أرض الله لا للمسلمين فحسب، وإنما لليهود والنصاري الذين عاشوا في ظلاله الورافة اليانعة.
    نريد أن تتضح حقائق للذين يخافون من دين الله –عَزَّ وجَلَّ- الذي وفر لهم الامن والأمان أكثر مما وفرته له دياناتهم وقوانينهم ومواثيقهم.
    ومنهج الله قد حقق ثانيًا الرخاء الاقتصادي، والله لقد جاء اليوم الذي أرسل فيه امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز مناديًا ينادي في الناس من كان فقيرًا فحاجته من بيت مال المسلمين، فَأَمِنَ الفَقَراء، وَظَلَّت البَرَكَةُ بَارِكَةً فِي بَيْت المَالِ.
    رحم الله زمانًا كانت حبة القمح فيه بمقدار نواة التمرة، وكُتِبَ عليها هذا يوم أن كانت بركة الله في الأرض، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد في المسند: حبة القمح بمقدار نواة التمر يوم أن كانت البركة في الأرض.
    ونادى المنادي مرة أخرى: من كان عليه دينٌ، فسداد دينه من بيت مال المسلمين، وسُدَّت الديون، وبقيت البركة باركة في بيت المال!!
    وراح النادي مرة ثالثة: يا معشر الشباب من أراد منكم الزواج، فزواجه من بيت مال المسلمين، فزوج الشباب!!
    فقد حقق منهج الله الرخاء في الأرض، ألسنا على يقين بقول الله تعالى:
     وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96]       
    ألسنا على يقينٍ بقول الله –عَزَّ وجَلَّ-: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12]
    ذلكم وعد الله –عَزَّ وجَلَّ- لقد حقق منهج الله تبارك وتعالى الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية، وهذا ما نعلق عليه بإيجاز بعد جلسة الاستراحة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وسلم.
    أيها الأحبة ...
    لا سعادة، ولا فلاح، ولا نجاح إلا بالعودة مرة أخرى إلى منهج الله كما أراد الله -جل وعلا- وكما أراد رسول الله ، فليس الإيمان كلمة تقال باللسان فحسب، ولكن الإيمان حقيقة ذات تكاليف، وأمانة كبيرة ذات أعباء، ومسئولية عظمى ذات مقتضيات، ورحم الله الحسن حين قال: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، فمن قال خيرًا وعمل خيرًا قُبِلَ منه، ومن قال خيرًا وعمل شرًا لم يقبل منه.
    إننا في أمس الحاجة إلى أن نُحَوِّلَ إِسلامنا إلى واقع، وإلى عمل، وأُذَكِّر نفسي وإياكم وأسأل لله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يشرفنا وإياكم بالعمل لهذا الدين، وأن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين.
                                            ..... الدعاء
     


    ([1]) رواه ابن ماجه رقم (4019) في الفتن، باب العقوبات، وأبو نعيم في الحلية (3/320) والحاكم في المستدرك (4/540) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني في الصحيحة (106)، وصحيح الجامع (7978).
     
    ([2]) رواه البخاري (3461) في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، والترمذي (2671) في العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل.
    ([3]) رواه البخاري رقم (13) في الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم رقم (45) في الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من خصال الخير.
    ([4]) رواه الترمذي رقم (1925) في البر والصلة، باب في رحمة الناس، وأبو داود (4941) في أدب باب في الرحمة وهو في صحيح الجامع رقم: (3522).
     
     
    ([5]) رواه البخاري رقم (6011) في الأدب باب رحمة الناس والبهائم، ومسلم واللفظ له رقم (2586) في البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم.

    كلمات مفتاحية  :
    الامن الأمان خطب مكتوبة

    تعليقات الزوار ()