وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { ومنهم أميون } يعني بقوله جل ثناؤه : { ومنهم أميون } ومن هؤلاء اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات , وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم , فقال لهم : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه } وهم إذا لقوكم قالوا آمنا . كما : 1118 - حدثنا المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { ومنهم أميون } يعني من اليهود . 1119 - وحدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . 1120 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ومنهم أميون } قال : أناس من يهود . قال أبو جعفر : يعني بالأميين : الذين لا يكتبون ولا يقرءون , ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " يقال منه رجل أمي بين الأمية . كما : 1121 - حدثني المثنى , قال : حدثني سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سفيان , عن منصور عن إبراهيم : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } قال : منهم من لا يحسن أن يكتب . 1122 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ومنهم أميون } قال : أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود . وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول , وهو ما : 1123 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عثمان بن سعيد , عن بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس : { ومنهم أميون } قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله , ولا كتابا أنزله الله , فكتبوا كتابا بأيديهم , ثم قالوا لقوم سفلة جهال : { هذا من عند الله } . وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم , ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله . وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم , وذلك أن الأمي عند العرب هو الذي لا يكتب . قال أبو جعفر : وأرى أنه قيل للأمي أمي نسبة له بأنه لا يكتب إلى أمه , لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء , فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة دون أبيه كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إنا أمة أميه لا نكتب ولا نحسب " وكما قال : { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم } 62 2 فإذا كان معنى الأمي في كلام العرب ما وصفنا , فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي من أن معنى قوله : { ومنهم أميون } ومنهم من لا يحسن أن يكتب .
لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ
القول في تأويل قوله تعالى : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } . يعني بقوله : { لا يعلمون الكتاب } لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه كهيئة البهائم , كالذي : 1124 - حدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله , { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } إنما هم أمثال البهائم لا يعلمون شيئا . * - حدثنا بشر عن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { لا يعلمون الكتاب } يقول : لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه . 1125 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { لا يعلمون الكتاب } لا يدرون ما فيه . 1126 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { لا يعلمون الكتاب } قال : لا يدرون بما فيه . 1127 - حدثنا بشر , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { لا يعلمون الكتاب } لا يعلمون شيئا , لا يقرءون التوراة ليست تستظهر إنما تقرأ هكذا , فإذا لم يكتب أحدهم لم يستطع أن يقرأ . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عثمان بن سعيد , عن بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله , { لا يعلمون الكتاب } قال : لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله . قال أبو جعفر : وإنما عنى بالكتاب : التوراة , ولذلك أدخلت فيه الألف واللام لأنه قصد به كتاب معروف بعينه . ومعناه : ومنهم فريق لا يكتبون ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به من أحكام الله وفرائضه وما فيه من حدوده التي بينها فيه { إلا أماني } فقال بعضهم بما : 1128 - حدثنا به أبو كريب , قال : ثنا عثمان بن سعيد , عن بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس : { إلا أماني } يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا . 1129 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } إلا كذبا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . وقال آخرون بما : 1130 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { إلا أماني } يقول : يتمنون على الله ما ليس لهم . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { إلا أماني } يقول : يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم 1131 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } يقول : إلا أحاديث . 1132 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } قال : أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا , وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله , ويقولون هو من الكتاب , أماني يتمنونها . 1133 - حدثنا المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { إلا أماني } يتمنون على الله ما ليس لهم . 1134 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { إلا أماني } قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم . وأولى ما روينا في تأويل قوله : { إلا أماني } بالحق وأشبهه بالصواب , الذي قاله ابن عباس , الذي رواه عن الضحاك , وقول مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا , ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا . والتمني في هذا الموضع , هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله , يقال منه : تمنيت كذا : إذا افتعلته وتخرصته . ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " . يعني بقوله ما تمنيت : ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب والإفك . والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك وأنه أولى بتأويل قوله : { إلا أماني } من غيره من الأقوال , قول الله جل ثناؤه : { وإن هم إلا يظنون } فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ظنا منهم لا يقينا . ولو كان معني ذلك أنهم يتلونه بم يكونوا ظانين , وكذلك لو كان معناه : يشتهونه ; لأن الذي يتلوه إذا تدبره علمه , ولا يستحق الذي يتلو كتابا قرأه وإن لم يتدبره بتركه التدبير أن يقال : هو ظان لما يتلو إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه لا يدري أحق هو أم باطل . ولم يكن القوم الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود فيما بلغنا شاكين في التوراة أنها من عند الله . وكذلك التمني الذي هو في معنى المشتهى غير جائز أن يقال : هو ظان في تمنيه , لأن التمني من المتمني إذا تمنى ما قد وجد عينه فغير جائز أن يقال : هو شاك فيما هو به عالم ; لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد , والمتمني في حال تمنيه موجود غير جائز أن يقال : هو يظن تمنيه . وإنما قيل : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } والأماني من غير نوع الكتاب , كما قال ربنا جل ثناؤه : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } 4 157 والظن من العلم بمعزل , وكما قال : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } . 92 19 : 20 وكما قال الشاعر :
ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وكما قال نابغة بني ذبيان :
حلفت يمينا غير ذي مثنوية
ولا علم إلا حسن ظن بغائب
في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب . ويخرج ب " إلا " ما بعدها من معنى ما قبلها , ومن صفته , وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه , ويسمي ذلك بعض أهل العربية استثناء منقطعا لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد إلا عن معنى ما قبلها . وإنما يكون ذلك كذلك في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان " إلا " " لكن " , فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول , ألا ترى أنك إذا قلت : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } ثم أردت وضع " ولكن " مكان " إلا " وحذف " إلا " , وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه " إلا " ؟ وذلك إذا قلت : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } لكن أماني , يعني لكنهم يتمنون , وكذلك قوله : { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن } لكن اتباع الظن , بمعنى : لكنهم يتبعون الظن , وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا . وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ : { إلا أماني } مخففة , ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتح , والقرقور قراقر , وإن ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية , أعني من الأماني , كما جمعوا الأثفية أثافي مخففة , كما قال زهير بن أبي سلمى :
أثافي سفعا في معرس مرجل
ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
وأما من ثقل : { أماني } فشدد ياءها فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم المفتاح مفاتيح , والقرقور قراقير , والزنبور زنابير , فاجتمعت ياء فعاليل ولامها وهما جميعا ياء أن فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا ياء واحدة مشددة . فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك فتشديد ياء الأماني , لإجماع القراء على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف مستفيض , ذلك بينهم غير مدفوعة صحته , وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك وكفى خطأ على قارئ ذلك بتخفيفها إجماعا على تخطئته .
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { وإن هم إلا يظنون } . يعني بقوله جل ثناؤه : { وإن هم إلا يظنون } وما هم كما قال جل ثناؤه : { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم } 14 11 يعني بذلك : ما نحن إلا بشر مثلكم . ومعنى قوله : { إلا يظنون } لا يشكون ولا يعلمون حقيقته وصحته , والظن في هذا الموضع الشك , فمعنى الآية : ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل . وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون , لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله , ولم تكن من كتاب الله , فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم , ويتبعون ما هم فيه شاكون , وفي حقيقته مرتابون مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله , ومخالفة منهم لأمر الله واغترارا منهم بإمهال الله إياهم . وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : { وإن هم إلا يظنون } قال فيه المتأولون من السلف 1135 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإن هم إلا يظنون } إلا يكذبون . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * - حدثنا القاسم , قال : حدثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله . 1136 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون } أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه , وهم يجحدون نبوتك بالظن . 1137 - حدثنا بشر , قال : حدثنا يزيد , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة : { وإن هم إلا يظنون } قال : يظنون الظنون بغير الحق . 1138 - حدثني المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية , قال : يظنون الظنون بغير الحق . 1139 - حدثنا عن عمارة , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله .