إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
القول في تأويل قوله تعالى : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } يعني تعالى ذكره بقوله : { إن الذين كفروا } إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به من اليهود والنصارى , وسائر أهل الملل والمشركين من عبدة الأوثان , { وماتوا وهم كفار } يعني وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ; أولئك عليهم لعنة الله والملائكة , يعني : فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله ; يقول : أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته , { والملائكة } يعني ولعنهم الملائكة والناس أجمعون . ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم : عليهم لعنة الله , وقد بينا معنى اللعنة فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . فإن قال قائل : وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد صلى الله عليه وسلم من أصناف الأمم , وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه ؟ قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : عنى الله بقوله : { والناس أجمعين } أهل الإيمان به وبرسوله خاصة دون سائر البشر . ذكر من قال ذلك : 1981 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { والناس أجمعين } يعني بالناس أجمعين : المؤمنين . 1982 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه عن الربيع : { والناس أجمعين } يعني بالناس أجمعين : المؤمنين . وقال آخرون : بل ذلك يوم القيامة يوقف على رءوس الأشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم . ذكر من قال ذلك : 1983 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , عن أبي العالية : أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله , ثم تلعنه الملائكة , ثم يلعنه الناس أجمعون . وقال آخرون : بل ذلك قول القائل كائنا من كان : لعن الله الظالم , فيلحق ذلك كل كافر لأنه من الظلمة . ذكر من قال ذلك : 1984 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما : لعن الله الظالم إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم , فكل أحد من الخلق يلعنه . وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال : عنى الله بذلك جميع الناس بمعنى لعنهم إياهم بقولهم : لعن الله الظالم أو الظالمين , فإن كل أحد من بني آدم لا يمنع من قيل ذلك كائنا من كان , ومن أي أهل ملة كان , فيدخل بذلك في لعنته كل كافر كائنا من كان وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية , لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم , فقال : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } 11 18 وأما ما قاله قتادة من أنه عنى به بعض الناس , فقول ظاهر التنزيل بخلافه , ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر . فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم , فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة , ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة , وداخل في الظلمة كل كافر بظلمه نفسه , وجحوده نعمة ربه , ومخالفته أمره .