نتهم الحكومة دائماً أنها "خربتها" وقعدت علي تلها لأنها زادت الاقتراض ورفعت معدلات الدين المحلي إلي مستويات لم يعرفها أحد من قبل.. شهادة الصحف القومية للحكومة "مجروحة" فالجميع يتهمونها بأنها عميلة للنظام.. الفضائيات والصحف الخاصة فقط هي الوحيدة المسموح لها بإعطاء تقييمات وتقديرات للاقتصاد المصري لأنها "مستقلة" وجميعنا يعرف أن الاستقلال الوحيد الذي تتمتع به أنها غير خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات!
الشارع السياسي والمشهد الإعلامي في مصر يتصدرهما شيء واحد هو ماذا بعد الرئيس مبارك؟ هذا بافتراض أن الرئيس لن يرشح نفسه في الانتخابات القادمة وهو مستبعد.... لكن الغوغائية الإعلامية والمهيجون في الوقت الراهن ليس لهم هدف سوي التنبؤ بأن مصر تتجه إلي الغرق في البحر العميق وأنها إذا نجت من الفوضي فلن تنجو من ثورة شعبية عارمة.
لا أعرف من أين استقي هؤلاء معلوماتهم أو استنتاجاتهم ولكن ما يدركه كل منصف أو محلل موضوعي أن هناك جانباً آخر من الصورة لم يتم عرضه بأمانة وهو شهادة حق صدرت عن مؤسسة دولية عالمية مرموقة تتولي الإشراف علي الأوضاع المالية للعالم كله.. المؤسسة هي ميرل لينش العالمية وقد حدث أن فكرت مصر في طرح سندات خزانة حكومية للبيع في الأسواق العالمية وكان للطرح عدة أسباب أولها تغطية عجز الموازنة وثانيها معرفة مقدار ثقة الغرب والشرق في الاقتصاد المصري وثالثها التمهيد لعودة الاستثمارات بتدفق كبير علي مصر في المرحلة القادمة.
النتيجة كانت مبهرة.. فقد سألت البنوك العالمية والدولية وزيري المالية والاستثمار عن كل شيء في مصر.. وكان أهم سؤال هو كيفية انتقال السلطة وضوابطها وسلاستها وهل هناك احتمال لفوضي! وأجابا عن كل الأسئلة باستفاضة.. وكانت النتيجة أننا كنا نطلب مبالغ صغيرة فكانت النتيجة أن حصلنا علي ستة أضعاف ما طلبنا في بعض السندات وعشرة أضعاف في سندات أخري وكان المجموع 14 مليار دولار.
هنا علينا أن ندرك حقيقة هامة وهي أن دولاً كثيرة تطلب طرح سندات ويتم رفض طلبها لأن اقتصادها ضعيف واستقرارها السياسي مهتز مثل اليونان علي سبيل المثال التي يقول عنها د.يوسف بطرس غالي إن "السرطان" الاقتصادي أصابها قبل 5 أعوام ولم تتنبه حتي استيقظت فجأة علي إفلاس تام.
المهم أن مصر نجحت في جمع أموال السندات فوراً.. ولك أن تتخيل أن هناك من يعطيك أموالاً وينتظر.. أن يستردها بعد 30 عاماً أو 10 أعوام لأن السندات في فئتين:
مؤسسة ميرل لينش العالمية أشادت بالسندات المصرية وأصدرت نشرة توضيحية في 26 أبريل الماضي تقول إنها تدعو المستثمرين لشراء السندات المصرية خاصة أن الاقتصاد المصري أصبح واعداً بصفة كبيرة في الفترة الأخيرة واستطاع المصريون تجاوز الأزمة المالية العالمية في 2008 ـ 2009 بحيث صارت مصر هي أفضل مكان للاستثمار طويل الأجل في المنطقة بعد تعرض دبي لأزمة مالية.. أكدت المؤسسة العالمية أن مصر هي أفضل مكان للاستثمار في الشرق الأوسط مشيدة بنظامها المصرفي وحساباتها الخارجية الجيدة واقتصادها المتنوع الذي لا يعتمد علي مجال واحد.
قالت المؤسسة العالمية إن مصر طرحت سندات بقيمة مليار دولار مدتها عشرون عاماً وحققت 5.7 مليار دولار بينما السندات التي طرحت بـ 500 مليون دولار أمريكي ومدتها 40 عاماً حققت 6.9 مليار دولار. أي أن الطلب تضاعف علي السندات المصرية بمجرد ظهورها في سوق السندات الأوروبي.
وزاد تفاؤل المؤسسة المالية العالمية .. ورغم ان الصحف الخاصة تحرص علي عدم نقل أي شيء ايجابي عن مصر الا ان ميرل لينش اكدت انها تدعو الحائزين للسندات التركية ومدتها 20 عاماً إلي التحول للسندات المصرية لنفس المدة لأن اقتصاد مصر ينبيء بطفرة إيجابية في المستقبل القريب ودعت المؤسسة أيضا الحائزين علي السندات التونسية للتحول للسند المصري القوي خصوصاً لأولئك الذين لم يفكروا بعد في الاستثمار بمصر.. واسأل الصحف الخاصة والفضائيات والمحتجين في الشوارع لماذا يغامر مستثمرون عاديون بتدفق أموالهم لمصر والانتظار 30 أو 40 عاماً حتي يحصلوا علي أموالهم ومعها فائدة القاعدة تقول إنه لا أحد في العالم كله يرمي أمواله.