بتـــــاريخ : 8/2/2010 6:21:48 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1210 0


    من بوادر المأساة ـ الحجج النّاصعة

    الناقل : SunSet | العمر :37 | المصدر : www.holykarbala.net

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام بوادر المأساة الحجج النّاصعة


     

    (من بوادر المأساة ـ الحجج النّاصعة)


    وغادرت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بيتها وسط جمع من النّساء الفضليات لكي تجلب النظر وتثير الإهتمام للجماهير المسلمة ، فدخلت المسجد ـ مسجد أبيها ( صلى الله عليه وآله ) وهنا بدأت تلقي حججها بأُسلوب ملؤه حكمة ورويّة حيث قابلت أبا بكر بكلمة تعارف الناس عليها ، فخاطبته وكأنّها تستفسر عن شيء تجهله : « يا أبا بكر من يرثك إذا متّ ؟ ».
    قال : أهلي وولدي.
    قالت : فمالي لا أرث أبي رسول الله ؟
    وحين فوجىء أبو بكر بهذه الحجّة النّاصعة راح يبحث عن مبرر لتأميم إرثها من أبيها.
    فقال : يا بنت رسول الله ، إنّ النبي لا يوّرث» (1).
    وقيل : أجابها : « إن الأنبياء لا تورّث ، ما تركوه فهو صدقة ». واستشهد بحديث انفرد به عن رسول الله فقال : « سمعت رسول الله يقول : لا نورّث ما تركناه فهو صدقة »..
    وهو حين تشبّث بهذا الحديث أراد أن يبرّر فشله أمام الحجّة التي وجه بها ، وهو يعلم بمكانة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لدى فاطمة ( عليها السلام ) فأراد أن يبطل حجّتها بحديث رواه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولكنّ أبا بكر لم ينته من إلقاء كلماته الدّفاعية حتى فوجىء بحجة آخرى أبلغ من سابقتها حيث ردّت عليه ابنة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) بقولها : « ما شأن سليمان ورث داود ؟ ». انطلاقاً من قوله تعالى : «وورث سليمان داود» .
    ثم استطردت قائلة :
    « ألم يقل زكريا :... «إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً * وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً» » (2).
    وحين تلت هذه الآيات الكريمة فنّدت قول الخليفة لأنّها أثبتت له إثباتاً لا يتحمّل أيّ ريب : أنّ سليمان ورث أباه داود ، مع أنّ داود كان نبياً ، وسليمان حين ورث أباه ورثه بالملك لا بالنبوّة لأن النبوّة لا تورث ، فالنبوّة لو ورثت لورثناها من أبينا آدم خلفاً عن سلف.
    والآية الثانية التي استدلت بها تحمل نفس المفهوم فزكريّا ـ ( عليه السلام ) ـ حين طلب إلى ربّه أن يرزقه ولداً لكي يرثه ، إنّما أراد بالإرث هنا إرث المال ، ولذا طلب من ربّه أن يكون ولده مرضيّاً ، وليس من المنطق ـ كما تدل الآية ـ : أنّ زكريّا أراد من ربّه أن يرزقه ولداً يرثه في النّبوة بدليل أنّه ـ بعد أن دعاه أن يرزقه هذا الوارث ـ طلب إليه أن يكون مرضيّاً ، لأنّه إذا أراد من ربّه أن يرزقه ولداً يرثه في نبوّته ، فهل يكون هذا النبيُّ غير مرضيًّ حتى يطلب أن يجعله مرضيّاً» (3).
    وهكذا فإنّ الآية تدل ـ دلالة واضحة ـ على أنّ الإرث هنا إرث ماديّ فحسب .
    وحين واجه أبو بكر هذه الحجّة البالغة ، عرف أنّ الزّمام قد أُفلت من يده ، فأصرّ على أنّ النبيّ لا يورّث ، ولكنّ إصراره هذا على كون الرّسول لا يورّث إصرار في غير محلّه بعد أن فوجىء بحجج الزهراء البالغة فلا بدّ له من حجة أُخرى يدعم بها موقفه هذا ، فقال : « أني لأعلم إن شاء الله أنّك لن تقولي إلا حقّاً ولكن هاتي بيّنتك ».
    فأسرعت ( عليها السلام ) لتأتي بعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأُم أيمن بركة بنت ثعلبة ، فشهدا : أنّ « فدكاً » قد أورثها الرّسول لفاطمة ، ولكنّ أبا بكر لم يعترف بهذه الشّهادة ، مدّعياً أنّ نصابها غير كامل ، فطالب بامراة أُخرى أو رجل آخر ، ولكنّ فاطمة لم تأت بغير ذين.
    وأنا أعجب من أبي بكر كيف لا يتّخذ من شهادة عليًّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) حجّة على صحّة موقف فاطمة ـ على الأقل ـ في وقتٍ هو يعلم قيمة عليًّ عند الله. ورسوله ، فهو هارون الأُمّة والمطهّر من الرّجس ، ومدينة علم الرّسول ، بغضّ النّظر عن الصّدّيقة الزهراء ـ أُم أبيها ـ وبضعته والمطهّرة من الرّجس . والإمرأة الصّالحة ـ أُمُّ الصّالحة ـ أُمُّ أيمن ـ المبشرة بالجنة» (4).
    ومن المؤسف حقّاً أنّ أبا بكر حين يعلن : أنّ معاشر الأنبياء لا يورّثون ، يأتي بعائشة وحفصة لتشهدا له في صحّة الحديث ، ولكن لا أدري لماذا لا توازي شهادة عليًّ ( عليه السلام ) شهادة إحديهما ؟ فضلاً عن شهادة أُمّ أيمن ـ المرأة الصالحة ـ
    وإلى جانب هذا كلّه : إنّ مطالبة أبي بكر فاطمة الزهراء بإحضار الشُّهود ليست منطقيّة لأنّها مالكة لفدك فعلاً ، وأبو بكر ادّعى ادّعاءً أنّها لا حقّ لها في تملُّكها ، ولذا أصدر حكم التأميم بشأنها مع أنّ القاعدة المنطقية الثابتة تقول : « البيّنة على من ادعى » فلماذا لم يأت أبو بكر بالبيّنة ؟ وقت كان مسؤولاً بإتيانها عقلاً ومنطقاً وعرفاً.
    لكنّ الخليفة مع هذا قد أصرّ على عدم اقتناعه بشهادة عليًّ وأُمّ أيمن.
    وللقارىء الكريم أن يحكم على هذه الواقعة المعروضة أمام عينيه وليتحرّ الحقيقة بنفسه.
    ويقيني : أنّ الحجج التي أدلت بها الزهراء ( عليها السلام ) أمام الخليفة أبي بكر كانت كافيةً لإدانته وتغيير موقفه منها . ولكنّه ـ أسفاً ـ تمادى بعدم اعترافه بحقّها في إرثها من أبيها.
    وإلى جانب مواقفها وحججها ـ هذه ـ نورد بعض المؤاخذات الاُخرى على موقف الخليفة أبي بكر ، تجليةً للحقيقة وتأكيداً للمنطق فنقول :
    ولو فرضنا ـ جدلاً ـ أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يمنح فاطمة الزّهراء فدكاً بصفتها من ذوي القربى ـ حسب مدلول آية ـ «وآت ذا القربى حقّه» . وإنما منحها فدكا بصفته حاكماً للدّولة الإسلامية ، ورئيس الدّولة الإسلامية له الحقُّ في التّصرف في ملكيّة الدّولة طبقاً لما يراه وفي إطار المصلحة الإسلامية العليا ، وقد رأى أن يمنح فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كأن تكون من سائر الناس ـ فدكاً ـ كحق خاص لا ملكيّة خاصّة لأنّ ملكيّة الدّولة ـ الأنفال ـ لا تملك ملكية خاصة . ولنفرض لأنّ فاطمة الزّهراء ( عليها السلام ) قد تصرّفت بحقها في الأرض دون أن تخل بشروط سيطرتها عليها لأنّ من شروط تملُّك الفرد المسلم للأرض : أن يقوم بعمارتها : من زراعة أو إقامة مشروع نافع عليها ، أمّا إذا لم يؤدّ حقّ ما حازه بأمر الدّولة الإسلامية من الأنفال فإنّ للدّولة الحق في سلبه منه لتمنحه لمن يقوم بدور الإحياء الفعلي للأرض ، وهذا يعني : أنّ الأرض التي تعود ملكيّتها للدّولة في المذهب الإقتصادي الإسلامي وحازها بعض الأفراد ، فإنّ عقد الحيازة يظلّ قائماً ما دام الفرد المسلم قائماً برعاية الأرض وعمارتها ، أمّا إذا لم يؤدّ هذه الوظيفة فإنّ العقد يفسخ بعدها ليستثمر الأرض منتج آخر» (5) . وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قد أثبتت الأدلّة التاريخيّة : أنّها كانت ملتزمة التزاماً تامّاً بشروط حيازة الأرض ، فقد كان لها وكيل لإدارتها وزراعتها والعناية بها فما هي الاسباب التي دعت أبا بكر أن بسلب هذه الأرض منها ، وهي ما زالت قائمة بشروط التملُّك والحيازة لها طبقاً لما رسمه الإسلام من شروط لحيازة الأرض الّتي تصدق عليها صفة ملكيّة الدّولة « الأنفال » ؟
    أليس ذلك تلاعباً على حساب المذهب الإقتصادي الإسلامي ، بل على حساب الشّرع المقدّس ؟ الّذي لا يسمح بتأميم حقوق المواطنين الخاصّة : « النّاس مسلّطون على أموالهم ، لا يحلُّ مال امرىءٍ إلاّ عن طيب نفسه ». علماً بأنّه قد علّل سلبه لأرضها بقوله : « إنّ الأنبياء لا يورّثون ».
    وهذا ما يلفت النظر إلى أنّ ابا بكر لو كان يعلم أنّ المصلحة الإسلامية العليا تقتضي هذا التأميم والمصادرة لصرّح به ، ولكنّه لم يجد مبرراً لهذا القرار ، فأعلن عدم جواز تورُّث الأنبياء.
    وبعد إجلاء هذه الحقيقة فأنا غير واثق ـ مطلقاً ـ من أنّ أبا بكر كان جاهلاً من أنّ الحق كان بجانب الصّدّيقة فاطمة ، لا سيّما وهو يمتاز بحنكته وعبقريّته ، فمن المستحيل أن تغيب عنه تلك الحقائق النّاصعة ، ولكنّه لا يستطيع أن يدلي بتصريح يصدّق فيه الزّهراء ( عليها السلام ).
    وعقيدتي أنّ ابا بكر كان مقيّدا بقرارات السّقيفة الّتي أوصلته للحكم ، وهو إن تخلّى عنها فاعترف لفاطمة بفدك ، لنحّاه من جاء به عن المنصب ، كما أنّ اعتراف أبي بكر لفاطمة بحقّها في فدك سيجُره إلى الإعتراف بكلّ مطاليبها المقبلة ، وفي طليعتها أحقيّة عليًّ ( عليه السلام ) في قيادة الأُمّة الإسلاميّة ، ولذا فإنّ حنكة الخليفة جعلته يصنع شتّى المبررات لعدم الإعتراف لفاطمة بحقّها في فدك ، لأنّ ذلك سيكون اعترافاً ضمنيّاً بصدق لهجة فاطمة في كلّ مطالبها المقبلة.
    وهكذا فإنّ الباحث التأريخي المنصف يجب أن لا يحمّل تبعات المأساة الخليفة أبا بكر بقدر ما يحمّله مؤتمر السقيفة ـ ذاته ـ لأنّه هو المسؤول ـ أولاً وآخراً قبل غيره ـ عن كلّ ما حدث بعد الرّسول ( صلى الله عليه وآله ).
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) كشف الغمة للاربلي.
    (2) سورة مريم آية / 3 ـ 6.
    (3) النّص والإجتهاد / شرف الدين.
    (4) ورد في ذخائر العقبى : أن الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) قد بشّر أُمّ أيمن بالجنّة.
    (5) اقتصادنا : ج 2 / محمد باقر الصدر.


    المصدر : كتاب / الزهراء / عبد الزهراء عثمان محمد


    كلمات مفتاحية  :
    إسلام بوادر المأساة الحجج النّاصعة

    تعليقات الزوار ()