بتـــــاريخ : 9/16/2010 8:21:37 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1463 0


    السيدة رقيَّة ذات الهجرتين

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د.محمد راتب النابلسي | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    السيدة رقيَّة ذات الهجرتين
     
      بسم الله الرحمن الرحيم
     
           الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
     
     
           أيها الإخوة الكرام ... مع الدرس الخامس والعشرين من دروس سير الصحابيات الجليلات ، رضوان الله تعالى عليهم ، ومع بنات رسول الله صلى الله عليهم وسلم ، والصحابية الجليلة رُقية ذات الهجرتين .
     
     
           هي رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ولدت بعد زينب ، وأسلمت مع أمها خديجة وأخواتها ، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة أولاً ، وإلى المدينة المنورة ثانياً ، من تزوجها ؟ تزوجها عُتبة بن أبي لهب ، فلما أنزلت آية :
     
     
     
    ( سورة المسد )
     
           قال أبوه له : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلِّق ابنته ، ففارقها قبل الدخول ، فقد ذاق النبي صلى الله عليه وسلم مأساة تطليق البنت ، طلاق المرأة كسرها ، وكسرٌ لأبيها وأمها ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما جعله الله أسوةٌ حسنة للمؤمنين إلى نهاية الدوران ، كان كاملاً في كل موقف ، ذاق ألم فقد الولد ، ذاق ألم تطليق البنت ، ذاق ألم أن يفشو في المدينة حديثٌ لا يليق بالسيدة عائشة زوجة رسول الله ، ذاق ذلك ، ذاق الفقر ، وذاق الغنى ، وذاق القهر ، وذاق النصر ، وذاق الصحة ، وذاق المرض ، كل شيءٍ أذاقه الله عز وجل ، ووقف الموقف الكامل ، ليكون عليه الصلاة والسلام أسوةً حسنة .
     
     
           فقال له أبو لهب : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق بنته ، فطلقها، من تزوجها بعد عُتبة بن أبي لهب ؟ عثمان بن عفان ..
     
     
     
    ( سورة محمد )
     
           أحياناً يقع ظلمٌ بين الزوجين ، الله سبحانه وتعالى يغني كلاً من سعته ، بل إن الطرف المظلوم هو المكرَّم عند الله عز وجل ، اجعل نصيبك الله في كل شيء ، كن في طاعته ، واجعل نصيبك رضوان الله عز وجل ، وأنت الفائز ، والعاقبة لك ، على كلٍ آية :
     
     
     
    ( سورة المسد )
     
           فيها إعجاز ، أبو لهب حي يرزق ، وجاءت الآية تقول :
     
     
     
    ( سورة المسد )
     
           وهو ذكي ، أعملَ عقله ، لو أنه ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعد نزول هذه الآية ، وقال له : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، نفاقاً لو قالها ، لأبطل هذه الآية ، هناك أبلغ من ذلك ، يقول الله عز وجل :
     
     
     
    ( سورة البقرة : من آية " 142 " )
     
           هؤلاء وصفوا بأنهم سفهاء ، وأنهم سيقولون هذا وعقولهم في رؤوسهم ، لو أنهم سكتوا لأبطلوا هذه الآية ، سكتوا فقط ، أبو لهب يحتاج إلى أن يذهب ، وأن يعلن إسلامه ، ليبطل هذه الآية ، هؤلاء لو سكتوا ، وإنّ الله عز وجل إرادته طليقة ، بيده كل شيء ، لو أعطاك الاختيار ، قادرٌ أن يسلبه منك في أيَّة لحظة .. ((إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبَّه)) .
     
    ( من الجامع الصغير : عن " ابن عباس " )
     
    ((وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)) .
     
    ( من صحيح البخاري : عن " المغيرة بن شعبة " )
     
           لا ينفعك مع الله ذكاؤك ، ولا عقلك ، ولا حسن تدبيرك ، يؤتى الحذِر من مأمنه ، ينفعك مع الله استقامتك ، ينفعك مع الله توبتك ، ينفعك مع الله إنابتك ، هذا الذي ينفعك ، لو كنت أذكى الأذكياء وأراد الله أن يؤدِّبك ، سلب منك العقل .
     
     
           لذلك هناك أشخاصٌ يتميزون بالذكاء ، يرتكبون حماقاتٍ ما بعدها حماقات ، اعتدوا بذكائهم فحجب الله عنهم ذكاءهم ، اعتدوا بقوتهم فحجب الله عنهم قوتهم ، اعتدوا بمالهم حجب الله عنهم طريقة الانتفاع بمالهم .
     
     
           فارقها قبل أن يدخل بها ، ثم تزوجها عثمان بن عفان ، وولدت له عبد الله ، وبه كان يُكَنَّى ، وبلغ ست سنين ، ثم توفي ، وتوفيت رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدرٍ ، وكانت قد أصابتها الحصبة ، وأجل الإنسان بيد الله ، لا يدري متى يأتيه .
     
     
           أيها الإخوة ... الآن ندخل في موضوع الهجرة الأولى .. لقد كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة رخصةً من الله تعالى للمستضعفين في مكة ، من المسلمين الذي أوذوا ، واضطهدوا من أجل إسلامهم ..
     
     
           قال ابن إسحاق : لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام ما يصيب أصحابه من البلاء ، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء ، قال لهم : ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدقٍ ، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه)) .
     
            ماذا يستنبط من هذا الأمر ؟ يستنبط من هذا الأمر رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ، هو في مَنَعَة ، مكانته في بني هاشم ، وعمه أبو طالب ، تمنعه من أن ينال بأذى ، لكن رحمته بأصحابه ، وحرصه عليهم ، وشفقته عليهم ، حملته على أن يعطيهم هذه الرخصة .
     
     
           أنبِّه إلى نقطة دقيقة ، أرجو أن تكون واضحة : الإنسان يحب أن يكون الناس كلهم حوله، هذه شهوة ، كل الناس حوله ، لذلك سمح لهم أن يغادروا مكة ، وأن يعيشوا في بلاد الحبشة ، وهم بعيدون عنه ، طبعاً تبعد عنه خدماتهم وولاؤهم ومحبتهم ، لكن رحمته صلى الله عليه وسلم كانت غالبةً .
     
     
           شيءٌ آخر .. أحياناً إنسان يغرر بإنسان ، يورطه ، وهو في مكان أمين ، هذا منتهى اللؤم، أن تورِّط إنسان وأن تضعه في مكان تصعب الحياة فيه ، وأنت معافى في مكان مرتاح فيه، النبي عليه الصلاة والسلام كان في المعمعة ، وكان وسط المعركة ، وكان في بؤرة المتاعب، ونجَّا أصحابه من هذه المتاعب ؛ هناك من يفعل العكس ، هو في مأمن ، هو في بحبوحة ، هو في مكان مريح ، هو في وسائل الحياة المريحة ، والذين غرر بهم يعانون من الآلام ما لا يطاق ، أهذا هو الوفاء ؟ أهذه هي الرحمة ؟
     
     
             هو في معمعة المشكلات ، وقد أرسل أصحابه إلى الحبشة ليرتاحوا من العذاب ، من الاضطهاد ، من التنكيل ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يقدر أن يمنعهم ، هو أيضاً ضعيف ، لماذا كان ضعيفاً عليه الصلاة والسلام ؟ لمَ لمْ يجعله الله ملكاً ؟ فإذا أعطى أمر ، ملايين مملينة تنفذ هذا الأمر ، جعله ضعيفاً ، حينما جاء بالرسالة ، يستطيع أحد الناس أن يتهمه ويقول : هذا ساحر . وقالوا : ساحر ، وقالوا : مجنون.
     
     
     
    ( سورة القلم )
     
           وقالوا : كاهن . وقالوا : مصاب بمرض يحتاج إلى طبيب ، وقالوا : شاعر ، والذين قالوا عنه : مجنون ، وساحر ، وكاهن ، وشاعر ، ناموا في بيوتهم مرتاحين ، ما أحد تعرض لهم بالأذى ، لأنه كان ضعيفاً ، والحكمة في كونِ النبي ضعيفاً ليكون الإيمان به حقيقةً ، إيمانًا تحت الضغط ، ليكون الإيمان به ثميناً ، أما إذا كان الإنسان قويًا فأنت بالطبع تعلن ولاءك له خوفاً منه ، وتعلن ولاءك له طمعاً فيما عنده ، أما إذا كان ضعيفًا لم يكن قادراً على أن يحمي نفسه ، ولا أصحابه ، فإذا آمنت به ، فإيمانك صحيحٌ مئةً في المئة ، لا تعتوره شائبة ، لأنك لا ترجوه ، ولا تخافه ..
     
     
     
    ( سورة الأنعام : من آية " 50 " )
     
     
    ( سورة الجن )
     
           أحبه أصحابه ، تعلَّقوا به ، فدوه بأرواحهم ، وأموالهم ، وأولادهم ، ويقول لهم كل يوم :
     
     
     
    ( سورة الجن )
     
           الأبلغ من ذلك :
     
     
     
    ( سورة الأعراف : من آية " 188 " )
     
           ويقول لهم :
     
     
     
    ( سورة الأنعام : من آية " 50 " )
     
     
    ( سورة الأعراف : من آية " 188 " )
     
           إنسان يقول للناس :
     
     
     
    ( سورة الجن )
     
     
    ( سورة الأنعام : من آية " 50 " )
     
     
     
    ( سورة الزمر )
     
           والناس يتعلَّقون به ، هذا هو الإيمان الصحيح ، الإنسان أحياناً يميل لكي يؤمن بقوي ، والقوي عنده أشياء كثيرة يعطيك إيَّاها ، يعطيك أمناً أحياناً ، يقول لك : أنا من جماعة فلان ، فتمشي بالعرض ، يعطيك أمناً ، يعطيك مالاً ، يعطيك شأناً ، أما حينما تؤمن بإنسان مغمور لا يعرفه أحد ، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ، معنى هذا أن إيمانك به صحيح ، إيمانك به صادق ، فهذا الذي يمكن أن يقال في هذا المقام ، ((لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدقٍ حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه)) .
     
     
          فأكثر الذين يجتمع الناس حولهم ، لا يحبون أن يغادرهم أحد ، كلما كثُر سوادهم علا شأنهم ، وكلما كثُر أتباعهم تمكَّنت مكانتهم ، فلذلك هؤلاء الذين يحبون أن يجتمع الناس حولهم ، لا يوافقون على أن يغادرهم أحد ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقلبه كقلب الأم ، رحمته بأصحابه جعلته يسمح لهم أن يغادروا مكة إلى الحبشة ، ويعيشون بعيدين عنه .
     
     
           فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة ، وفراراً إلى الله تعالى بدينهم ، فكانت أول هجرةٍ في الإسلام ، وكان أول من خرج من المسلمين عثمان بن عفان ، ومعه زوجته رُقية ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعظيم شأن الهجرة عند الله تعالى ، أنزل فيها قرآنا يُتلى إلى يوم لقيامة ، قال تعالى :
     
     
     
    ( سورة النساء )
     
           أيها الإخوة ... وقعت الفُرقة بين رُقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين عُتبة بن أبي جهل ذلك قبل الدخول عليها للسبب الذي ذكر ، تقدَّم عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطبها ، وينال شرف المصاهرة العزيزة ، ويتقبَّل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الخاطب الكريم ، الذي كان أول من أسلم على يدي أبي بكر الصديق ، ويزداد هذا الصحابي الجليل شرفاً على شرف حينما يكون صهراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
     
     
            قال : قيل لم ير زوجان قط أجمل ، ولا أبهى من رُقية وعثمان ، كانا زوجين سعيدين ، غير أن فرحة العروسين لم تكتمل ، لماذا ؟ لأن عشيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما علمت أنه آمن بمحمد قاطعته ، وحينما علمت أنه تزوَّج ابنته ازدادت عداءً له ، وهذا شأن الحق والباطل إلى يوم القيامة ، معركةٌ أزليةٌ أبدية بين الحق والباطل ، أساسها الولاء ، أهل الحق يوالون الحق ، وأهل الباطل يوالون الباطل ، فهذا الإنسان له مكانة عليَّة في قومه ، فلما آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام خسر من حوله ، وهذا امتحان .
     
     
           في صحابي جليل اسمه مصعب بن عمير ، كان ابناً مدللاً لأسرةٍ سريةٍ جداً في مكة ، فكانت حياته خيالية ؛ يأكل أطيب الطعام ، ويرتدي أجمل الثياب ، وله مكانة ، وله مال ، فهو شاب ، وله وسامة ، وله أناقة في ثيابه ، حياته ناعمةٌ جداً ، فلما أسلم قاطعه أهله ، وحرموه كل شيء ، هذه محنة ، هذا امتحان ، أنت طالب جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين ، لا يمكن من أن تمتحن ، لابدَّ أن تمتحن ، الامتحان أساسي ، وطِّنوا أنفسكم ، كلما كان طلبكم أعلى كان الامتحان محققاً ، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ قال : لن تمكن قبل أن تبتلى .
     
     
     
    ( سورة آل عمران )
     
     
    ( سورة العنكبوت )
     
           سلعة الله غالية ، ومن طلبها بثمنٍ بخسٍ حُرم منها ، عليك أن تؤدِّي الثمن .
     
     
           طبعاً سيدنا عثمان حينما أسلم خرج عن مشورة عشيرته ، لذلك حقد عليه رجال عشيرته ونساؤها ، وأخذوا يدبِّرون الكيد له ولزوجته ، وحقدت قريش عليه ، وأخذت موقفاً عدائياً منه ، لأنه هجر دين قومه ، وباع من حوله بدينه .
     
     
           لمَّا أخذت قريش في إعداد الأذى لكل من أسلم ، وتقرب من محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، تشاور المسلمون فيما يتخذونه من تدابير شتَّى ، لمواجهة حملات هؤلاء الأعداء ، التي تستهدف تعذيب من أسلم أشد العذاب، عذاب شديد ، فقد كان بلال يوضع على الرمل المُحرق ، يوضع الحجر فوق صدره ، ويقول : أحد أحد ، لذلك ما كان ثمة متنفَّس ، وما كان في طريق للخلاص إلا الهجرة .
     
     
           أيها الإخوة ... استجاب المسلمون لرغبة النبي عليه الصلاة والسلام في الهجرة إلى الحبشة ، وتسلل عددٌ منهم من مكة صوب الساحل ، كي تقلَّهم سفينتان كانتا متجهتان صوب الجنوب ، لو أن أهل قريش علموا بهجرة هؤلاء لمنعوهم ، مشكلة ، حتى مغادرة البلد تحتاج إلى موافقة ، فكان هناك صعوبة كبيرة في التسلل إلى الحبشة دون أن يعترضهم معترض .
     
     
           أول من ركب في هاتين السفينتين سيدنا عثمان بن عفان ، وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو حذيفة وامرأته سهلة ، والزبير ، ومصعب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة ، وامرأته أم سلمة ، وعثمان بن مظعون ، وعامر بن ربيعة ، وامرأته ليلى ، امرأته صحابية ، المرأة في الإسلام لها شأن كبير ، هي كالرجل تماماً ، من حيث التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية ، فهذا الذي يتوهَّم أن المرأة دونه بكثير ، هذه نظرة جاهلية ، الصحابيات الجليلات كُن عوناً لأزواجهن على طاعة الله .
     
     
           أمّر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون ، وهذا هو التنظيم الدقيق في الحياة الاجتماعية ، التنظيم حضارة أيها الإخوة ، نظام ، ((إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم)) .
     
    ( من تخريج أحاديث الإحياء : عن " ابن مسعود " )
     
           أي نزهة ليس فيها أمير تقع فيها مشكلات لا تنتهي ، كل واحد له مزاج ، كل واحد له رأي ، فحتى في الحج إذا لم تكن فيه قيادة حكيمة للفوج ، وحازمة ، تنشأ مشكلات لا تنتهي ، هذا النظام الذي أمر به النبي : ((إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم)).
     
    ( من تخريج أحاديث الإحياء : عن " ابن مسعود " )
     
           أمره نافذ ، ثم خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المهاجرون منفردين أو مع أهليهم ، حتى اجتمعوا بأرض الحبشة بضعةً وثمانين مهاجراً ، عدا أبنائهم الصغار الذين خرجوا معهم أو ولدوا هناك ، بضعةٌ وثمانون مسلماً تركوا مكة المكرمة ، وفيهم كبار الصحابة .
     
     
           تعليق آخر .. هو أنك مع الله أينما كنت ، في بلدك ، في بلدٍ بعيد ، في بلدٍ قريب ، في بلدٍ بارد ، في بلدٍ حار ، في قريةٍ صغيرةٍ ، في مدينةٍ كبيرة ، في بلادٍ جميلة ، في بلادٍ غير جميلة ، الله معك ، وهذا من عظمة الإسلام .. ((اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ...)) .
     
    ( من سنن الترمذي : عن " أبي ذر " )
     
         لكن أضع بين أيديكم بعض الحالات :
     
     
           امرأةٌ محجبة في بلد ، فإذا ركبت الطائرة ، وغادرت هذا البلد إلى بلدٍ آخر ، خلعت الحجاب ، وسافرت بأبهى زينة ، أهذا إيمان ؟ أبداً ، هذا سلوك اجتماعي فقط ، يوم كانت في بلدها ، كانت مقهورةً بالنظام الاجتماعي ، تخاف على سلامتها ، تتحجَّب ، فإذا ركبت الطائرة هي في الطائرة تخلع كل ثيابها ، وتبدو في أجمل ثياب ، لا قيمة لهذا الحجاب إطلاقاً .
     
     
           أي شيءٍ تفعله ، فإذا سمحت لك فرصةً تتخلى منه فهو قهر ، هو ضغط ، المؤمن يعبد الله أينما كان ، أينما ذهب ، كقول أحد العلماء : "بستاني في صدري ماذا يفعل أحد أعدائي بي ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ " ، تجد المؤمن مستقيمًا في بلده ، وفي السفر ، وبالطريق ، والطائرة يتغيَّر ، وثمة إنسان تحت ضغط إذا رفع عنه الضغط تفلَّت ، إذًا فهذا الذي يفعله في بلده ليس ديناً ، إنما هو قهر .
     
     
           لذلك أنا أتمنى على كل إخواننا الكرام ألا يلجؤوا مع أولادهم إلى القمع ، أعرف رجلا والله لا أزكِّي على الله أحداً ، لكن أعلمه صالحاً ، لكن ما سلك مع بناته سلوك الإقناع والتعليم ، سلك معهن سلوك الإجبار ، أجبرهن على الحجاب ، فلما توفي خرجن سافراتٍ كاسياتٍ عاريات ، فالبطولة أن تربي أولادك بطريقةٍ لو غبت عنهم ، لو غادرت الدنيا إلى الآخرة أن يبقوا على العهد .
     
     
           أعرف صديقًا لي - رحمه الله - توفي بحادث ، وله دعوةٌ في بيته طيبة، توفي بحادث ، وترك زوجةً وثلاثة أولاد ، الزوجة تركها في العشرين من عمرها ، مضى على موته ، أو هذا الحادث عشرون عامًا ، وما تغير شيء في البيت مما كان على عهده ، له التزامه ، انضباط البيت ، لا يوجد اختلاط ، لا توجد أجهزة لهو ، البيت هوَ هو ، إنسان يموت ، ويخلف زوجة في العشرين وأولاد ، ونظام البيت نظام إسلامي لا يتغير فيه شيءٌ إطلاقاً ، هذه البطولة ، البطولة أن تدع أثراً يطبق بعد غيبتك .
     
     
           أما إن أطاعك من حولك في حضورك ، وعصوك في غيابك هذه ليست طاعة ، لذلك قال بع الحكماء : " من أطاع عصاك فقد عصاك "، الذي يخاف من قوتك هذا لا يحبك ، وهذا ليس مطيعاً لك ، بل هو يحب نفسه ، أطاعك لسلامة نفسه ، أطاعك حباً بذاته ، أما العبرة أن تطاع عن قناعة ، لذلك : ((علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خيرٌ من المعنف)).
     
    ( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )
     
           حاول أن تُقنع ، لا أن تقمع ، حاول أن تقنع ، لا أن تُجبر ، سيد المرسلين ، سيد الخلق قال له :
     
     
     
    ( سورة الأنعام : من آية " 66 " )
     
     
    ( سورة هود )
     
     
    ( سورة البقرة : من آية " 272 " )
     
     
    ( سورة القصص : من آية "56 " )
     
           الله عز وجل بين له .
     
     
     
    ( سورة البقرة : من آية " 256 " )
     
           فبطولتك في تربية أولادك أن تقنعهم ، لا أن تقمعهم ، أن تأخذ بيدهم إلى الله ، لا أن تجبرهم على شيءٍ ليسوا قانعين فيه .
     
     
            رجل ـ هكذا سمعت ـ حضر درسًا أو درسي علم ، فوجد الحجاب حقًّا ، فألزم زوجته بالحجاب دون أن يقنعها ، إما أن تضعي على رأسكِ هذا المنديل أو أطلقكِ ، فهو له مكان عمل في بلد بعيد ، يقول : هي في الطريق من دمشق إلى بيروت ، وهي تبكي ، لأنها وضعت الحجاب قهراً ، رجل حكيم نصحه أن تعود إلى ما كانت عليه ، وأن يقنعها بالحجاب خلال ستة أشهر ، وهذا الذي حدث ، أقنعها ، عاملها أطيب معاملة ، بيَّن لها عظمة الشرع ، بين لها ما عند الله من عطاء كبير إذا هي أطاعت ربها عز وجل ، بين لها أن المرأة تؤذي من حولها إذا أظهرت مفاتنها ، إذا هي تطلب الحجاب منه طواعيةً ، هذه البطولة أن تحمل من حولك على أن يختاروا طاعة الله ، لا أن تكرههم على طاعة الله ، أن تقنعهم ، أن تبيِّن لهم ، حتى يختاروا هم طاعة الله ، إذا اختاروا هم طاعة الله ارتقوا بهذا الاختيار ؛ أما إذا أكرهتهم لم تنفعهم ، بل كرَّهتهم في الدين .
     
     
            ومن الناس من يجبر أبناءه على الصلاة ، فتجد هذا الابن يصلي ، لكنه يكره الصلاة كما يكره الموت ، أما إذا تلطَّف به ، وشجَّعه ، وكافأه ، وأقنعه ، فإذا صلى هذا الابن فهذه صلاة جيدة جداً ، هذه صلاة ناتجة عن قناعته ، فلذلك أقنع ، ولا تقمع ، بيِّن ولا تكره ، علِّم ولا تعنِّف.
     
     
           هناك نقطة ثانية في الموضوع دقيقة جداً ، هي أن الإنسان ولِد في مكان ، وهذا المكان محبَّب له جداً ، والدليل :
     
     
     
    ( سورة النساء : من آية " 66 " )
     
           كل واحد بلده محبَّب له ، مسقط رأسه محبَّب إليه ، لكن الإنسان مخلوق للجنة ، فإذا منعه بلده أن يطيع الله عزَّ وجل ماذا عليه أن يفعل ؟ يجب أن يغادر إلى بلدٍ يطيع الله فيه ، لأنك أنت مخلوق لعبادة الله ، والدليل :
     
     
     
    ( سورة الذاريات )
           علَّة وجودك على وجه الأرض أن تعبد الله ، فإذا كنت في مكان ، وحيل بينك وبين عبادة الله وجب عليك أن تغادره إلى مكانٍ تعبد الله فيه ، مكان فيه ذل ، وفيه قهر ، المكان الذي تعبد الله فيه هو الجنة ، والمكان الذي تُقهر فيه هو جهنم ، فلذلك آية الهجرة دقيقة جداً ، لكن والعياذ بالله الآن هناك هجرة في سبيل الشيطان ، الناس يهاجرون من بلدٍ يقيمون فيه شعائر الإسلام ، هذه بلدتنا طيبة ، والحمد لله ، لا توجد بلد في العالم ـ وأنا متأكد مما أقول ـ كهذه البلد الطيبة ، فيه دروس العلم ، وشعائر الدين ، وفيه روحانية ، ومع ذلك فهناك مَن يَدَعْ كل هذه الميزات من أجل الدرهم والدينار .
     
           والله حدَّثني أخ كريم كان في بلد في أوروبا ، شيء لا يصدق ، قال لي : دخلت إلى مسجد في فرانكفورت لأصلي ، على مقربةٍ منه حديقة ، أنا ظننتها حديقة عادية كأي حديقة ، فلما وصل إلى هذه الحديقة ، فإذا بالناس كما خلقهم الله ، من دون شيء ، رجالاً ، و، نساءً وأولاداً ، ويمارسون كل الفواحش علانيةً .
     
     
           فأنت في بلد فيه بقية حياء ، فيه بقية خجل ، فيه بقية دين ، فيه ترابط أسري ، لذلك المصيبة الكبيرة أن تهاجر من بلدٍ تقام فيه شعائر الدين إلى بلدٍ متفلِّت ، هذه هجرةٌ عكسيَّة ، هجرةٌ في سبيل الشيطان ..
     
     
            وحدثني أخ أقام في بلد أجنبي ، قال لي : حينما عدت إلى دمشق ، وسمعت الآذان اقشعرَّ جلدي ، هذه نعمة الآذان لا يعرفها إلا من فَقَدَها ، المقت ، الكُفر ، الحانات ، الملاهي ، دور سينما ، نساء متفلِّتات ، دور بغاء ، وهكذا ، نحن عندنا هنا مساجد ، والحمد لله ، كل مئة متر مسجد ، دروس ؛ صباحاً ، وظهراً ، ومساءً ، الحمد لله نحن في نعمة كبيرة جداً لا يعرفها إلا من فقدها ، هذه النعمة نعمة مجالس العلم هذه نعمةٌ عظيمة .
     
     
           فالمسلمون في الحبشة قاموا بواجباتهم الدينيَّة ، ودعوا إلى الله ، صار في دعوة هناك أيضاً ، والدليل أن النجاشي ملك الحبشة أسلم ممن أسلم ، وصلَّى النبي عليه صلاة الغائب ، يُعد النجاشي من التابعين ، لم ير رسول الله ، لكنه يعد تابعياً جليلاً ، والنبي صلَّى عليه صلاة الغائب ، وحينما قدِمَ وفد النجاشي خدمهم النبي بنفسه ، ما هذا الإكرام ؟ بنفسه  ، نكفيك ذلك ، قال : ((لا أحب أن أكافئهم كما أكرموا أصحابي)) .
     
     
           أيها الإخوة ... هذه الهجرة إلى الحبشة هجرةٌ مباركة ، فأنت بحاجة أحياناً إلى جو مريح تعبد الله فيه ، الاضطراب الشديد ، والفتن ، والخصومات ، والقمع ، هذا جو متوتِّر لا يعينك على معرفة الله ، فلذلك أحياناً يختار الله عزَّ وجل لبعض المؤمنين مكانًا بعيدًا عن المدينة ، يتعيَّن في قرية أحياناً ، هذه القرية غار حراء ؛ مكان هادئ ، جميل ، بعيد عن الصخَب ، فالإنسان بحاجة إلى خلوة مع الله ، فالنبي كان يخلو مع ربه الليالي ذوات العدد ، أما أنت كمؤمن فمكلَّف أن يكون لك خلوة مع الله عزَّ وجل ، فهؤلاء الصحابة الكبار الذين عاشوا في بلاد الحبشة ، في ظل ملكها ، وفي دعةٍ وراحة ، هؤلاء بنوا إيمانهم .
     
     
            وبالمناسبة إخواننا الكرام شباب ومتزوجون ، الإنسان قبل الزواج ، فيما قبل الزواج ميزات لا يعلمها إلا المتزوج ؛ أنت خفيف ، لا يوجد معك أحد ، ليس هناك ارتباط ، ممكن تصلي ، تقرأ قرآن ، تحضر دروس علم ، تتفوَّق بالدين ، وقت بناء الإيمان ، لكن الزواج كما ورد .. ((مجبنةٌ مبخلةٌ مشغلة))
     
           فإذا واحد قبل أن يتزوج ليستغل هذه الفرصة ..اغتنم خمسا قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك)) .
     
    ( من تخريج أحاديث الإحياء : عن " عمرو بن ميمون " )
     
            فكل سن له جمال ، ما قبل الزواج أنت متفرِّغ ، يمكن أنْ تسهر ، تقرأ ، تدرس ، لا يوجد إنسان يسألك : أين أنت ؟ أما المتزوج : أين أنت إلى الآن ؟ أين ذاهب ؟ لا تذهب إلى هذا الدرس ، اقعد ، عندك عقبات ، أما الأعزب فهو طليق يحضر كل دروس العلم ، لا أحد يحاسبه أساساً ، أما عندما يتزوج فيجب أن يوفِّق بين حقوق الزوجة وبين حقوق الله عزَّ وجل .
     
     
           إخواننا الكرام ... توهَّم بعض الصحابة الكرام ، وهم في بلاد الحبشة أن قريش رجعتْ إلى رشدها ، وأنها تقبلَّت هذا الدين العظيم ، فكان هذا الوهم دافعاً لبعض أصحاب رسول الله أن يعودوا إلى مكة ، من هؤلاء سيدنا عثمان ، وابنة النبي عليه الصلاة والسلام رقيَّة ، استقلا سفينةً ، وعادا بها إلى مكة ، فإذا الحقيقة عكس ذلك ، كان أصحاب النبي المستضعفون يذوقون ألوان العذاب على يد كفار قريش .
     
     
           عادت رقيَّة رضي الله عنها مع زوجها عثمان إلى مكة ، وفوجئا بهذه الحقيقة المُرَّة ، ثم فوجئت أن أمها خديجة قد توفَّاها الله عزَّ وجل ، فلاذت بأبيها ، ورأت ما يفعله كفار قريش من تنكيلٍ بأصحاب رسول الله ، ثم أذن الله للنبي عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى المدينة المنورة .
     
     
           وهاجرت رقيَّة مع زوجها عثمان إلى المدينة ، وفي المدينة وضعت ابنها عبد الله بن عثمان ـ الآن ـ عندما وضعت ابنها عبد الله بن عثمان في المدينة أُصيبت بمرض الحصبة ، فأقام زوجها عثمان رضي الله عنه إلى جانبها يمرِّضها ، ويرعاها ـ الآن هناك استنباط دقيق جداً ـ ولمَّا استنفر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه لغزوة بدر .
     
     
            الآن في غزوة ، في جهاد ، والجهاد ذروة سنام الإسلام ، وسيدنا عثمان زوجته مريضة ، أمره النبي أن يبقى إلى جانب زوجته ، تمريض الزوجة من خلال هذه الحادثة يعدل الجهاد في سبيل الله ، أرأيت إلى العلاقات الأسريَّة ما أقواها في الإسلام ؟
     
     
            الشيء الأغرب أن سيدنا عثمان لم يشهد هذه الغزوة ، غزوة مشرَّفة ، أعزَّ الله بها الإسلام والمسلمين ، وانتصروا فيها ، وقد فات عثمان رضي الله عنه شرف هذه الغزوة ، فلما وُزِّعت الغنائم عُد له سهمٌ كما لو كان مشاركاً في هذه الغزوة ، أرأيتم إلى العمل الطيب ؟ هو يمرِّض زوجته في المدينة ، وعُدَّ عند رسول الله من المجاهدين ، لذلك عندما قال النبي لامرأةٍ : ((انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله)) .
     
    ( من كنز العمال : عن " أسماء بنت يزيد الأنصاري " )
     
          وبالمقابل حسن رعاية الزوج لزوجته يعدل الجهاد في سبيل الله ، عُدَّ مع المجاهدين ، ونال نصيب الغنائم كما لو كان مجاهداً .
     
     
          ثم عاد النبي عليه الصلاة والسلام من معركة بدر منتصراً عزيزاً ، ففوجئ بوفاة ابنته رقيَّة ، لذلك حينما أُخبر بوفاتها رضي الله عنها بكى ، ودمعت عيناه الشريفتان على فراقها ، ثم ذهب مع ابنته فاطمة لزيارة قبر ابنته رقيَّة ، فقعدت فاطمة بقرب القبر تبكي ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عن عينيها بطرف ثوبه ، يخِّف من أحزانها ، طبعاً هذه ابنته ، ولابدَّ أن يزور قبرها ، وأن يدعو لها ، لكن هذه القصة ذكرتني بقصة ثانية :
     
     
            امرأةٌ في أدنى درجة اجتماعيَّة كانت تقمُّ المسجد ، تقمُّه أي تنظفه ـ عاملة تنظيفات ـ أي بحسب السلم الاجتماعي هذه مرتبة دنيا ، وقد يكون هذا العامل في التنظيفات مستقيمًا ، قد يكون أرقى عند الله من إنسان له شأن كبير ، الأمور عند الله بمقياس آخر ، بمقياس الإخلاص ، بمقياس الاستقامة ، فهذه المرأة التي تقُم المسجد ماتت ، لضعف شأنها ، ولهوانها على الناس رأوا أنه لا ينبغي أن يُخبر النبي بموتها ، من هي ؟ فإذا واحد توفي ، خير إن شاء الله ، يُدْفَن ، وانتهى الأمر ، فالصحابة الكرام اجتهدوا أن هذه المرأة التي تقُم المسجد ليس لها أي دور ، ليست من المكانة حيث إن النبي يبلَّغ عن وفاتها ، ما بُلِّغ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ((أَنَّ أَسْوَدَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَالُوا مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ)) .
     
      ( متفق عليه)
     
             خجلوا ، فذهب إلى قبرها ، ودعا لها ، فليست ابنته فقط ، ذهب إلى امرأةٌ تقم المسجد فقط ، وهي في المرتبة الدنيا في السُلَّم الاجتماعي ، فالقضية قضية مبادئ ، قضية قيَم ، قضية مشاعر .
     
            فالإنسان أيها الإخوة ينبغي أن يعلم علم اليقين أن هذا الدين العظيم ما وصل إلى أطراف الدنيا إلا بهذه القيَم ، وحينما فُهم الدين عبادات ، وصلوات ، ورقص أحياناً ، وغناء أحياناً ، ومظاهر ، والدين في واد ، وحياة الناس في واد ، عندئذٍ أصبحت كلمة المسلمين ليست هي العُليا ، رفرفت راياتهم في الخافقين حينما فهموا الدين قيَماً ، أما حينما فهموه طقوس ، الآن الدين طقوس ، أي أن فلان يصلي فانتهى الأمر إنه صاحب دين ، أما أمين غير أمين ، صادق غير صادق ، مقياس الدين عند الناس أنه يصلي فقط ، أما مقياس الدين عند الله عزَّ وجل ، أو عند رسول الله ، اسمعوا هذا الحديث : ((هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ـ هذا الحديث خطير جداً وفي الصحاح ـ هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ قَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)) .
     
    ( من مسند أحمد : عن " أبي هريرة " )
     
           هذا هو الفهم الصحيح للدين ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علَّمنا.
     
     
    والحمد لله رب العالمين
     
     
    *  *  *
     
    المصدر:

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()