إقامة ندوات أسرية في المسجد
الدعوة إلى الله عز وجل، وتبليغ هذا الدين؛ هي أمر الله إلى من اصطفاهم من عباده الصالحين قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(سورة النحل:125) وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(الحج: 75)، وهؤلاء المصطفين اختار الله لهم وظيفة يقومون بها هي أفضل الوظائف وأسماها وأعلاها عنده تعالى يقول جل وعلا: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}(النساء:165)، ويقول لعبده محمد صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}(الأحزاب:45-46)، ثم يأتي الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم يأمره بأن يخبر عن نفسه وعن أتباعه بأن سبيلهم هو طريق الدعوة فيقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف:108) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "يقول الله تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمراً له أن يخبر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بَصِيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكلّ من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي"
.
وليس الأمر مقتصراً على النبي صلى الله عليه وسلم بل يستمر أمر الدعوة في أمته ما بقيت السموات والأرض قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(آل عمران:104)، وقد جعلها الله تبارك وتعالى من صفات أهل الإيمان فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التوبة:71)، وكان قول من دعا إلى الله عز وجل أحسن الأقوال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت:33) قال الحسن البصري رحمه الله: "هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله"، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "والمعنى لا أحد أحسن قولاً منه لكونه دعا إلى الله، وأرشد إليه، وعمل بما يدعو إليه، يعني دعا إلى الحق وعمل به، وأنكر الباطل، وحذَّر منه وتركه، ومع ذلك يصرح بما هو عليه لم يخجل به، بل قال: إنني من المسلمين..."، وجُعِلَ المشتغلون بأمر الدعوة إلى الله تعالى خير هذه الأمة فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..}(آل عمران:110).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الدعوة إلى الله عز وجل: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)) رواه مسلم (4831)، وقال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم)) رواه البخاري (3888)، ومسلم (4423)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) رواه مسلم (3509).
وكلما حصل تعاون في الدعوة إلى الله كلما كان أثرها أكبر، ومداها أوسع، وانظر إلى نبي الله موسى عليه السلام يطلب من ربه تعالى أن يرسل معه في دعوة فرعون أخاه هارون {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}(طه:29-32)، فقال الله سبحانه: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}(طه:42-44).
وهنا نطرح فكرة أن ينطلق أهل الحي من الأسر التي يستطيع أهلها من الرجال أو النساء القراءة، وعندهم القدر القليل من حسن الإلقاء، فيقومون بالدعوة إلى الله تعالى، وهذا مع ما قد علمنا من خلال ما سبق من فضل الدعوة إلى الله، وفضل القائمين بها، ولو أن القائمين على الأنشطة في المساجد أعلنوا عن إمكانية إقامة ندوات دعوية يلقيها أفراد أسرة واحدة (إخوة، أو أب مع أبناءه، أو أم مع بناتها، أو أخوات) ليكون نشاطاً أسرياً لأهل الحي، ليشتركوا في الأجر، وتكون هناك روح المنافسة بين الأسر؛ لكان في ذلك خير كثير.
وربما قال قائل: إن من الصعب أن يقوم أفراد أسرة واحدة بإلقاء ندوة دعوية؛ لأن فيهم العامي، ومن لا يستطيع الإلقاء، ومن لا يحسن التحضير.
والجواب هو: أن هذه الفكرة تقوم على أساس تنشيط الجانب الدعوي لأهل الحي، وعلى ذلك فإن مشاركة الأسر تكون بحسب الاستطاعة، ويمكن تقسيم هذا النشاط بين أعضاء الأسرة الواحدة، فقد يقرأ الأب آيات من كتاب الله تعالى - أو الأم إن كانت الندوة للنساء -، ويلقي الابن الصغير جملة من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو يلقي فرد آخر من الأسرة أبياتاً من الشعر في نفس الموضوع، ...إلخ.
بل يمكن أن تجتمع أكثر من أسرة لإعداد هذه الندوة، واختيار القادرين على الإلقاء، ونسمي هذه الندوة "لقاءاً شهرياً لأسر الحي" يتخلله بعض البرامج.
ويقام هذا النشاط تحت إشراف جماعة المسجد، ويكون نشاطاً شهرياً، ويمكن تكريم كل الأسر المشاركة إن أمكن، وتخصيص أفضل جائزة لأفضل ندوة، وحبذا لو تم رصد المنكرات في الحي، ثم تقوم هذه الندوات بعلاجها، والقضاء عليها.
* ومن الفوائد التي يمكن أن نجنيها من هذه الفكرة:
- إحياء الروح الدعوية في نفوس الناس.
- إذكاء روح التنافس على الخير بين أهل الحي.
- تعليم الخطابة، وفن الإلقاء بأسرع الطرق، وأسهل الوسائل.
- صلاح الأسر ونشر الدعوة بينهم.
- تصحيح مفهوم الدعوة وأنه عام لكل مسلم لا يخص أناس دون أناس.
- توزيع المنشورات الدعوية بعد كل ندوة، ومن خلال الجوائز التي توزع على المشاركين.
هذه فكرة لعلها تكون واقعاً حياً إذا استشعرت حق الاستشعار، وجربت ولو مرة واحدة، وقد تظهر بعض السلبيات فيتم معالجتها بالحسنى، والأمر أولاً وأخيراً فعل من أفعال الخير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لنصرة دينه، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يهدينا ويهدي بنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (1/334) أشرف على جمعها وطبعها: محمد بن سعد الشويعر.