الطائرة المفقودة (أجاثا كريستي) 1
الناقل :
elmasry
| العمر :42
| الكاتب الأصلى :
qassimy
| المصدر :
www.qassimy.com
ازاح الرجل الجالس إلى المكتب ثقالة الورق إلى يمينه بضع بوصات . كان وجهه اقرب إلى أن يكون جامد السمات خلوا من التعبير اكثر من ان يكون غارقا في التفكير او شارد الذهن . وكان من الصعب عليك ان تتكهن بحقيقة عمره ، فهو لا يبدو كهلا ولا يبدو شاباً فقد كانت بشرته ناعمة ملساء خاليه من الغضون وإن أطلت من عينيه نظرة تستشف منها الإعياء .
أما الرجل الآخر الذي يشاركه الغرفة نفسها فأكبر سنا وكان ملوح الوجه اسمرارا ، وله شارب صغير عسكري الطراز ، وكان يبدو ملولا لا يستقر على مقعده ، ولا يفتأ يذرع الغرفه جيئة وذهابا ، ومن حين لآخر يلقي بملاحظاته في كلمات حانقه .
إنفجر يقول ساخطاً :
-كلها مجرد تقارير ! تقارير وتقارير ولكن لا نفع فيها ..
وتطلع الرجل الآخر الجالس إلى المكتب في الأوراق المكدسة امامه ، والتي رشقت فيها بطاقة تحمل هذه الكلمات ( بيترتون ، توماس شارل) وبعد الاسم علامة استفهام كبيره .
ورفع الجالس إلى المكتب رأسه عن الأوراق وقال :
-إنك طبعا قرأت كل هذه التقارير . أفلم تجد فيها بادرة ذات جدوى؟
فأجاب الآخر متسائلا :
-من يدري ؟!
-صدقت .. تلك هي المشكله .. فلا أحد يستطيع ان يقطع برأي .
وعقب الأكبر سنا بسيل من الكلمات بدا وكأنها تنطلق من مدفع رشاش :
-تقارير من روما .. وتقارير من تورين .. لقد شوهد في الريفيرا.. وشوهد في انتورب .. من المؤكد أنهم رأوه في أوسلو .. ومن المؤكد أنه رؤي .. في ستراسبورج، وكان سلوكه باعثا على الريبه ، وكذلك شوهد في شاطئ اوستند وفي صحبته شقراء رائعة الجمال .. والبعض لمحوه في شوارع بروكسل ومعه كلب سلوقي .
ثم أردف في نبرة تتسم بالسخريه :
-لم يبق إلا أن يشاهد في حديقة الحيوان ، يحتضن حمارا مخططاً وحشياً .
وقال صاحب المكتب :
-إنك رجل تفتقر إلى الخيال يا هوارتون أما أنا فأعلق شيئاً من الأهمية على تقرير انتورب.
وارتمى الكولونيل هوارتون جالساً على مسند مقعد ، وقال في إلحاح :
-ولكن يجب أن نميط اللثام عن هذا اللغز، يجب أن نجد جوابا على هذه الأسئلة : (كيف واين ) إنك لا تستطيع ان تسكت على اختفاء عالم فذ كل شهر تقريبا ثم تجد نفسك عاجزا عن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة : ( كيف ولماذا وأين ) .أتراه حيث تعتقد أنه موجود أم انه ليس هناك ؟!
ثم أردف :
-أتراك قرأت نتيجة التحريات الأخيره ، عن بيترتون في أمريكا ؟!
وأومأ الرجل الجالس إلى المكتب برأسه إيجابا وقال :
-الميول اليسارية المعروفة نفسها ، في الوقت الذي شاعت فيه واعتنقها الناس جميعا .. ميول غير ثابتة وذو طبيعه غير مستقره كما تبين فيما بعد ، وقبل الحرب انجز أعمالا هامة ذات شأن ، وعندما هرب مانهيم من ألمانيا عين بيترتون مساعداً له ، وانتهى به الأمر إلى أن تزوج ابنة مانهيم . ثم قفز إلى الشهرة باكتشافه المثير لتحطيم الذره ، والحق ان تحطيم الذره كان من دون شك اكتشافا ثوريا دفع بيترتون إلى القمه وجعل منه قطبا من اقطاب العلوم الذريه. ولكن زوجته مالبثت ان ماتت عقب الزواج، فانهار بيترتون حزنا عليها وفجعه موتها ، ثم جاء إلى انجلترا وعمل في هارويل ثمانية عشر شهرا ، ومنذ ستة شهور تزوج للمرة الثانيه .
فتساءل هوارتون في حدة :
-وما معلوماتنا عن زوجته ؟!
-لا شيء ذو أهميه ، كل مانعرفه عنها انها ابنة محام من اهل المنطقة وكانت تعمل في إحدى شركات التأمين قبل زواجها ، وليست لها فيما عرفنا اتجاهات سياسية واضحه .
-وما الذي يقولونه عنه في هارويل ؟
-شخصية لطيفة محبوبه أما عن عمله فلا شيء ذا شأن بارز ، مجرد تحسينات أدخلها على جهاز تفتيت الذرة.
وران الصمت على الرجلين برهة من الوقت وكان حديثهما مجرد ثرثرة قطعا للوقت ، لا تتسم بشيء من الجدية فإن تقارير الأمن لا تحتوي عادة على شيء جدير بالاهتمام .
قال هوارتون متسائلا:
-وطبعا كانت تحركاته محل مراقبه ، منذ حط قدميه في انجلترا ؟!
-وكان كل شيء مرضيا تماما.
فقال هوارتون متأملا:
-ثمانية عشر شهرا وهو تحت المراقبه . إنك تعلم أن هذه المراقبة تثير اعصابهم .. إحتياطات الأمن المتواصلة تحطم نفسيتهم ، الشعور بأنهم دائما تحت المجهر ،، هذه الحياة المحسوبة عليهم في كل حركة من حركاتهم وكل لفتة من لفتاتهم .. كل هذا كفيل بأن يجعلهم عصبيين وان يحملهم على تصرفات شاذه. فقد رأيت الكثير من هذه الحالات .
وسكت هنيهة ثم استطرد يقول :
-وعندئذ يبدأون في أن يحلموا بعالم مثالي ، عالم تسوده الحريه والأخوه ، وتتشارك فيه الدول في اسرارها العلميه ذات الطابع العسكري ، وتعمل متضافره من أجل خير الإنسانيه .وتلك هي اللحظه الملائمة كي ينقض عليهم شخص لا يهمه إلا أن يدمر الإنسانية ، إنه يرى الفرصة السانحة ويبادر إلى اقتناصها.
-وددت لو انني عرفت المزيد عن بيترتون ، لا اعني بذلك حياته او عمله وإنما الأشياء الأخرى الصغيره. إن هذه الأشياء التافهه تكشف الكثير.. النكات التي تضحكه ،، مايستفزه ويثيره ،، مايجعله يسب ويلعن الأشخاص الذين يعجب بهم او يثيرون حنقه.
وتطلع إليه هوارتون في عجب واستغراب ثم تساءل :
-وماذا بشأن زوجته ؟! أتراك استجوبتها ؟!
-عدة مرات .
-اما من فائدة ترجى منها ؟
-لا لاشيء حتى الآن .
-اتعتقد انها تعرف شيئا ؟!
-إنها لم تعترف، طبعا بأنها تعرف شيئا، أو انها لاحظت شيئا. لا قلق ولا حزن ولا يأس ولا اكتئاب. كانت تسير سيرا طبيعيا عاديا بلا ضغوط من اي نوع كان .. وهي تعتقد بأن زوجها قد اختطف .
-وأنت لا تصدق هذا ؟!
-إنني رجل كثير الوساوس والشكوك ولهذا لا أصدق أحدا.
قال هوارتون في بطء وتمهل :
-على أية حال ينبغي على المرء أن يكون ذا ذهن متفتح بعيد عن التشبث.
ثم اردف :
-ولكن مارأيك في الزوجه؟
-طراز عادي تلقاه كل يوم منهمكا في لعب البريدج.
-هذا يزيد الأمر صعوبه وتعقيدا
-إنها موجوده هنا الآن لمقابلتي ومن جديد سوف نعيد ونبدأ فيما كنا فيه .
فقال هوارتون:
-الآن لا داعي لبقائي ، فلا أريد أن احتجزك أكثر من هذا إذ ليس لدينا مانتداول فيه ، أليس كذلك ؟!
-لا لسوء الحظ ولكني اريد منك ان تدرس تقرير وارسو وتتحرى عن دقة مافيه من معلومات إذ يتراءى لي انه بداية طيبه.
اومأ هوارتون برأسه موافقا وغادر الغرفه.
ورفع الجالس إلى المكتب سماعة التلفون وأمر باستدعاء مسز بيترتون لمقابلته.
******
سمعت نقرات خفيفه على الباب ودخلت مسز بيترتون. كانت امرأه طويلة القامة في حوالي السابعه والعشرين من العمر تتميز بشعر رائع أحمر اللون ذو مسحه نحاسيه. ولاحظ ان وجهها كان خاليا من التجميل .
اثارت هذه الملاحظات في نفسه الشعور بأن مسز بيترتون تعرف شيئا وتخفي ماتعلم .
لقد علمته خبرته الطويله ان المرأه المسرفه في حزنها وقلقها لا تهمل ابدا تجميل وجهها ، فهي تعرف ان الحزن الشديد يضفي على وجهها سمة منفره بشعه ، فتبذل مافي وسعها لكي تصلح ما افسده الحزن. ولكن لعل مسز بيترتون آثرت ان لا تتجمل حتى تبث في نفسه الاعتقاد بأنها شاردة الذهن غارقة في همومها لا تحفل بنفسها.
رحب بها الرجل واشار إلى مقعد ودعاها للجلوس ، وقبل ان تستقر عليه هتفت به منبهرة الأنفاس :
-اوه مستر جيسوب أما من نبأ عن زوجي ؟!
-يؤسفني يامسز بيترتون أن جشمتك مشقة الحضور ، ولكني أخشى أن لا تكون لدي حتى الآن أنباء مؤكدة.
فعقبت اوليف بيترتون في كلمات سريعه :
-اعرف هذا فأنك أشرت إلى ذلك في خطابك ، ولكني كنت أرجو ان يكون قد بلغك نبأ جديد منذ بعثت إلي برسالتك .. ولكنني سعيدة بأنك دعوتني إلى الحضور فأسوأ مافي الأمر أني حين أخلو إلى نفسي في البيت لا أملك إلا أن افكر واتعذب فلا شيء لدي أفعله سوى هذا.
-أرجو أن لا يضايقك يا مسز بيترتون أن اعود مره أخرى إلى ماكنا فيه وإلى ترديد الأسئلة نفسها ومعاودة الإلحاح على النقط نفسها ، فإن من المحتمل دائما أن تبدر كلمه واحده تكون مفتاحا لحل اللغز او ان تذكري شيئا نسيته في مره سابقه.
-إني أدرك ذلك فوجه إلي مرة اخرى الأسئلة نفسها إذا طاب لك ذلك .
واستهل مستر جيسوب استجوابها بأن قال:
-كانت اخر مرة رأيت فيها زوجك في اليوم الثالث والعشرين من شهر أغسطس أليس كذلك ؟!
-تماما يا سيدي .
-وكان هذا عند مغادرته إنجلترا إلى باريس لحضور أحد المؤتمرات؟!
-نعم
-وحضر زوجك اليومين الأولين من أيام انعقاد المؤتمر، ولكنه تخلف في اليوم الثالث وتبين انه ذكر لأحد زملائه أنه سيذهب بدلا من ذلك في رحلة نهريه في نهر السين.
-رحلة نهريه؟
-نعم ، في تلك القوارب التي تجوب نهر السين.
ثم تأملها جيسوب بنظره فاحصه وقال:
-ايدهشك هذا التصرف من قبل زوجك يا مسز بيترتون؟!
فأجابت بشيء من التردد:
-نعم يدهشني .. فعهدي به أنه كان شديد الحرص على حضور المؤتمر.
-هذا جائز ومع ذلك فإن الموضوع الذي كان مطروحا للمناقشة في المؤتمر في ذلك اليوم ماكان من الموضوعات التي تهم زوجك ولذا آثر ان يتخلف عن الجلسة وان يمنح نفسه عطلة يرتاح فيها ،، ولكن ألا يبدو ذلك لك غريبا أن زوجك مولع بالرحلات؟!
وهزت رأسها إيجابا ، واستطرد جيسوب :
-وفي تلك الليله لم يرجع زوجك إلى فندقه ، وطبقا لمعلوماتنا المؤكده فإنه ماعبر الحدود ، أو على الأقل لم يستخدم جواز سفره في اجتيازها هذا إذا كان قد عبرها .
ثم اردف يسألها:
-اتعتقدين ان لزوجك جواز سفر آخر باسم مستعار مثلا؟
-لا بالطبع ، ما الذي يدعوه إلى ذلك؟!
-ألم تري في متاعه مقل هذا الجواز ؟!
هزت رأسها نفيا بشده واضحه وقالت :
-لا ، كما إني لا اصدق ابدا أنه يمكن ان يقدم على هذا.. إنه لا يمكن أن يغادر باريس عمدا واختيارا كما تحبون أن تصوروا اختفاءه . لا بد ان شيئا حدث له ، او انه فقد ذاكرته .
-اكانت صحته عادية وسليمه ؟!
-نعم ، كان يجهد نفسه في العمل وفي بعض الأحيان يحس انه متعب مكدودا ولكن لاشيء اكثر من هذا.
-ألم يكن يبدو قلقا او مكتئبا على اية صوره؟
-لا لم يكن ابدا قلقا او مكتئبا لأي سبب كان.
وبأصابع مرتعده فتحت حقيبتها وتناولت منديلها وسترت به وجهها . وتهدج صوتها وهي تقول :
-إن الأمر فظيع ، فظيع جدا.. إني لا استطيع ان اصدق ما حدث .. إنه لم يسافر أبدا دون ان يخطرني ، لابد وان شيئا حدث له إما ان يكون قد اختطف وإما ان اعتداء وقع عليه . إني أحاول دائما طرد الأفكار والوساوس من ذهني ولكني في بعض الأحيان لا املك إلا ان اتخيل ان التعليل الوحيد هو انه قتل .
-ارجوك يامسز بيترتون ان تنزعي هذا الخاطر من رأسك إذا كان قد قتل فلا بد ان تكون جثته قد اكتشفت الآن .
-ومايدرينا أن يكون قد اغرق في احد الأنهار مثقلا بالأحجار ؟ هذا مايحدث في بعض الأحيان.
-إنك تسرفين في الأوهام والتخيلات يا مسز بيترتون.
-------------------------------
وأزاحت المنديل عن عينيها وحدجته بنظره يتبدى فيها غضب شديد وقالت :
-إني اعرف ما يدور في خلدك ، ولكن الأمر ليس كما تتصور ، إن توم لا يمكن ان يبيع الأسرار او يفشيها . إنه لم يكن شيوعيا او فاشستيا حتى يفشي اسرارا إلى هؤلاء او أولئك.
-وماعسى ان تكون معتقداته السياسيه يامسز بيترتون؟
-اعتقد انه كان في امريكا ديموقراطيا ، وهنا في انجلترا كان يصوت مع حزب العمال.. وعلى اية حال فإنه لم يكن يهتم بالسياسه.
ثم اضافت بنبرة منطوية على التحدي:
-انه كان عالما قبل كل شيء . وكان عالما فذا لامعا.
فقال جيسوب:
-تماما كان عالما فذا لامعا وتلك هي المشكله مايدرينا أنه عرض عليه مرتب ضخم أغراه بمغادرة البلاد ليعمل في مكان آخر .
تفجر الغضب في صوتها وهي تقول في انفعال:
-هذا غير صحيح.. وهو ماتحاول الصحف أن توحي به وتثبته في الأذهان، وهو مايدور في رؤوسكم جميعا عندما جئتم إلي تستجوبونني .. ولكنه ليس صحيحا . إنه ماكان ليرحل أبدا إلا إذا اخطرني أو على الأقل اعطاني فكره عن نواياه.
-ألم يخبرك بشيء؟ اي شيء؟!
وللمرة الثانية كان يحدجها بنظرات متفحصة .
فأجابت :
-لاشيء على الإطلاق .. إنني لا اعرف اين هو الآن ولكني اعتقد انه إما ان يكون قد اختطف ,, او قتل.
-إني آسف يا مسز بيترتون .. اسف جدا ولكن ارجوك ان تتأكدي من اننا نبذل اقصى ما في وسعنا فنعرف حقيقة ما وقع لزوجك، إننا نتلقى كل يوم تقارير من مختلف الجهات.
فتساءلت في حده:
-ومالذي تحتويه هذه التقارير؟!
-إننا لا نزال ندرسها ونتبين صحتها من زيفها ، لكنها بوجه عام غامضه ولا شيء قاطع فيها.
فعادت تردد في صوت نابض باليأس:
-ولكن يجب ان اعرف مافيها ,, إنني لا استطيع ان استمر على هذا .
وران عليهما الصمت برهه ثم قال جيسوب:
-الذي احاول ان اصل إليه يامسز بيترتون هو ان اتمثل صوره صادقة لزوجك .. اي نوع من الرجال هو ؟ ولكني أرى انك لا تحاولين ان تساعديني ..
-وما عساي استطيع ان اقول اكثر مما قلت؟ فقد اجبت على جميع اسئلتك.
-صحيح انك اجبت على اسئلتي غير ان معظم اجاباتك كانت التفي او الإنكار .. إني اريد ردا ايجابيا ردا بناءا. هل تدركين ما اعني؟ إنك تستطيعين ان تنفذي إلى خبايا الرجل ودخائله إذا عرفت اي نوع من الرجال هو.
تريثت فتره مفكره ثم ردت:
-فهمت ، وكل ما استطيع قوله هو ان توم كان رجلا مرحا ، لين العريكه وكان طبعا قديرا في مهنته.
-هذه اوصاف عامه يمكن ان تنطبق على اي انسان ، الا يمكن ان نتكلم عن صفات ذات طابع شخصي صفات اكثر اتصاقا به، مثل هل هو مولع بالإطلاع والقراءه؟!
-نعم إنه يقرأ كثيرا.
-اي نوع من الكتب يؤثره؟
-تراجم المشهورين وسير حياتهم.. وأيضا كتب الاجتماع وقصص الجريمه عندما يكون مجهدا .
-إذن فهو قارئ تقليدي كمعظم الناس
ثم اردف يسألها :
-ايلعب الورق او الشطرنج؟!
-إنه يلعب البريدج ، وقد اعتدنا ان نلاعب الدكتور إيفانز وزوجته مره او مرتين في الأسبوع.
-هل لزوجك اصدقاء كثيرين ؟!
-نعم فهو يحب الاختلاط والحياه الاجتماعيه .
-ليس هذا ماعنيت، وإنما اردت ان اسأل عما إذا كان رجلا يولي اصدقاءه اهتماما شديدا؟
-إنه يلعب الجولف عادة مع واحد او اثنين من جيراننا.
-أليس له اصدقاء حميمون او خلان قدماء؟
-كلا. إنك تعلم انه ولد في كندا وامضى في الولايات المتحده ردحا طويلا من الزمن فلم تهيأ له الفرصه هنا لمعرفة الكثيرين.
تطلع جيسوب في ورقة منشوره امامه على المكتب وقال:
-إننا نعرف ان ثلاثة اشخاص من الولايات المتحده زاروه في الأيام الأخيره وأسماؤهم مسطوره لدي هنا.. وطبقا لتحرياتنا فإن هؤلاء الثلاثة هم الوحيدون الذين زاروه من خارج البلاد.ولذلك فإننا نولي امرهم اهتماما خاصا واولهم ولتر جريفيث وقد زاركم في هارويل.
-صحيح فقد اتى إلى انجلترا وحضر لزيارة توم.
-وماذا كان رد الفعل عند زوجك؟
-دهش توم لرؤيته ولكنه كان سعيدا جدا بهذه الزياره فقد كانت بينهما في امريكا معرفة وثيقه.
فسألها جيسوب:
-وعلى اية صوره بدا جريفيث في نظرك؟
-ولكنكم حتما تعرفون كل شيء عنه؟
-نعم إننا نعرف عنه كل شيء، ولكني اريد ان اسمع منك انت رأيك فيه.
فكرت لحظه ثم ردت:
-إنه يبدو رجلا جادا يبعث مجلسه على الضجر، وكان مهذبا جدا شديد المجامله في لقائه معي . ولاح لي انه مولع جدا بتوم ومتلهف إلى أن يحدثه عما جرى في الولايات المتحده منذ ان بارحها توم إلى انجلترا . وأظن ان حديثه كان يدور حول الأخبار المحليه ولكنه لم يكن بالنسبة لي حديثا مسليا ، إذ لم اكن اعرف احدا ممن يتحدث عنهم وعلى اية حال فقد كنت بسبيل اعداد العشاء ولذا تركتهما معا يستعيدان الذكريات القديمه .
-ألم يتحدثا في السياسه؟
تضرج وجه مسز بيترتون احمرارا وردت:
-لعلك تحاول ان تلمح إلى ان جريفيث شيوعي او فاشيستي ، إني واثقه من انه ليس بهذا او ذاك ، إنه فيما اعتقد موظف في مكتب النائب العام.
-والآن فلننتقل إلى الزائر الثاني الذي اتى من وراء البحار ، الدكتور مارك لوكاس، إنكما التقيتما به صدفة في فندق دورسيت.
-هذا صحيح ،، كنا نتناول العشاء في دورسيت بعد خروجنا من المسرح، فإذا بنا نلتقي فجأه بهذا الرجل ، إنه يعمل باحثا كيماويا وآخر مره التقى فيها بتوم كانت في الولايات المتحده .. وهو لاجئ الماني اكتسب الجنسية الأمريكيه وانت طبعا تعرف كل هذا.
-نعم إني اعرف ذاك يامسز بيترتون. هل دهش زوجك لرؤيته؟
-نعم دهش جدا.
-وهل سر بلقائه؟
-نعم ، نعم اظن ذلك.
-ولكنك غير متأكده؟
-قد فهمت من توم فيما بعد ان هذا الرجل لا يهمه.
-وهذا اللقاء ؟ اكان مجرد صدفه ؟ الم يكن هناك تدبير سابق بحيث يبدو اللقاء عرضا؟!
-كلا بل كانت مقابله عارضه.
واستطرد جيسوب:
-اما الزياره الأخيره فقد كانت صاحبتها سيده تدعى مسز كارول سبيدر وكانت هي الأخرى قادمه من الولايات المتحده ، فكيف تمت هذه المقابله؟!
-اعتقد انها موظفه بالأمم المتحده وكانت قد تعرفت على توم عندما كان مقيما في امريكا، وقد اتصلت به تلفونيا من لندن واخبرته بوجودها في انجلترا وسألته عما إذا كنا نستطيع ان نتناول الغداء في يوم من الأيام ولكننا اعتذرنا عن عدم تلبية دعوتها.
-إنك انت التي لم تزوريها، اما زوجك فقد لبى الدعوه.
فحملقت فيه دهشه وهي تقول :
-ماذا تقول ؟
-الم يقل لك زوجك انه زارها ؟
-كلا لم يخبرني بشيء
وبدت مسز بيترتون قلقه ومرتبكه/ واحس الرجل الذي استجوبها بالرثاء لها.
وغمغمت الزوجه في صوت خافت مأخوذ:
-من الغريب انه لم يحدثني بشيء عن زيارته لها.
-لقد تناول الغداء معها في فندق دورسيت حيث كانت مسز سبيدر تقيم ، وكان ذلك في يوم الأربعاء 12 اغسطس.
فقالت متأمله :
-الأربعاء 12 اغسطس؟! نعم فقد ذهب إلى لندن في ذلك اليوم ولكنه لم يشر إلى التقائه بها.
ثم تفجر على لسانها السؤال الذي كان يصطخب في رأسها :
-ماشكلها؟ ما هيئتها؟!
-ليست من النوع الرائع الخلاب يامسز بيترتون.. امرأه شابه كادحه في الثلاثين من العمر وليست من النوع الذي يسترعي الأنظار، وليس هناك مايدل مطلقا على انها من النوع الذي يسترعي الأنظار ، وليس هناك مايدل مطلقا على انها على صداقة وثيقه بزوجك / فهذا ما يدعو إلى التساؤل عما حدا به إلى كتمان الأمر عنك .
-نعم نعم ، إنه غريب حقا .
---------------------------
-والآن ارجوك يامسز بيترتون. ان تفكري جيدا .. الم تلاحظي اي تغيير في سلوك زوجك منذ ذلك اليوم؟ اي حوالي منتصف شهر اغسطس؟ اعني قبل سفره إلى المؤتمر بنحو اسبوع؟
-لا .. لا.. لم الاحظ اي شيء.. كان سلوكه عاديا لم يطرأ عليه تغيير.
دق جرس التليفون الداخلي الموضوع على مكتبه فتناول السماعه وادناها من اذنه واتاه صوت من الطرف الآخر يقول :
-هنا رجل يريد ان يقابل احد المسؤولين بشأن موضوع بيترتون.
-ما اسمه؟
خط جيسوب الاسم على قصاصه امامه ثم قال:
-اهو بولندي الجنسيه؟
-لا ادري ياسيدي؟ انه يتكلم الانجليزيه بطلاقه ، ولكن بلكنه اجنبيه.
-حسنا اطلب اليه ان ينتظر ,
دفع جيسوب إلى مسز بيترتون بالقصاصه المسطور عليها الاسم وسألها
-اتعرفين احدا بهذا الاسم؟!
اتسعت عيناها دهشه وهي تقرأ الاسم وخيل إليه ان بادره من الخوف غشت عينيها لحظة :
-نعم اني اعرفه .. فقد بعث إلي بخطاب بالأمس... إنه ابن خخالة زوجة توم الأولى. وقد وصل لتوه إلى هذه البلاد، وكان شديد الاهتمام بمسألة اختفاء توم، فكتب إلي يسألني عما اذا كانت لدي اية انباء عنه.
-الم تسمعي عنه من قبل؟ الم تتقابلا؟
-لا ، لم يحدثني زوجي عنه ابدا ولم التق به في يوم من الأيام .
-إذن من المحتمل ان يكون مدعيا ؟
-هذا الخاطر لم يدر بخاطري.
ثم اردفت :
-كانت زوجة توم الأولى اجنبيه ، انها ابنة البروفيسور مانهايم. فهذا الشخص كما يتبدى من خطابه يعرف كل شيء عنها وعن توم. ولكن إذا كان مدعيا فما الهدف من وراء ذلك؟
فرد جيسوب باسما:
-إنه السؤال العويص الذي يتردد على السنتنا بهذا المكتب. إننا دائما نسأل انفسنا ما الهدف من هذا وما الهدف من ذاك ؟ ومع ذلك فالجواب دائما مستعص لا سبيل إليه.
قالت مسز بيترتون:
-إني لم اعد اطيق هذه الحال . لا شيء إلا ان اجلس وانتظر .. إني اريد ان اسافر إلى اي مكان على سبيل التغيير .. وإني افضل ان اسافر إلى الخارج لأروح عن نفسي.. إني موشكه على الانهيار. إني احاول ان اتشبث بالشجاعه ولكن اعصابي لم تعد تحتمل .. فقد كتبت إلى طبيبي استطلع رأيه ، فأشار علي بضرورة السفر على سبيل الاستجمام ثلاثة او اربعة اسابيع.
اخرجت من حقيبتها خطاب الطبيب ودفعت به إلى جيسوب فقرأه وأعاده إليها فسألته:
-ايمكن السماح لي بالسفر؟
نظر إليها بدهشه وقال:
-طبعا يمكنك ان تسافري متى شئت يا مسز بيترتون.
-كنت اخشى ان تعترضوا.
-ولماذا نعترض؟ كل ماهنالك هو اني اريد ان اعرف مقرك لأتصل بك إذا أتتنس بعض الأنباء.
فردت:
-في نيتي ان اسافر إلى مكان مشمس ، اسبانيا او مراكش.
-إذن اتمنى لك رحلة طيبه .
وانصرفت وهي ماتزال بادية القلق والاضطراب.
ما ان انصرفت اوليف بيترتون حتى استدعي الزائر الذي كان في الانتظار إلى مقابلة مستر جيسوب.
قال الزائر وهو يستوي جالسا على احد المقاعد :
-إني الميجور غلايدر ، وهاك خطاب تعريف من السفارة الأمريكيه.
جرى جيسوب بعينيه على سطور الخطاب في نظرة سريعه ، ثم وضعه أمامه على المكتب وسأله:
-أية خدمة استطيع ان اؤديها لك يا ميجور ؟!
-إنني قادم لتوي من الولايات المتحدة وقد اتيت إليك أسألك عما إذا كانت لديك أنباء جديده عن توماس بيترتون الذي اختفى اخيرا بطريقة مثيره ، إن المرء لا يستطيع ان يصدق دائما ماتنشره الصحف ، وقد قيل لي انك الوحيد الذي لديه معلومات موثوق بها .
فقال جيسوب :
-يؤسفني أنه ليست لدي معلومات مؤكدة عن بيترتون.
-لقد خطر لي أنه ربما أوفد إلى الخارج في مهمة خاصه. مهمة سريه.
فقال جيسوب في كلمات متمهله :
-إن بيترتون ياسيدي العزيز مجرد عالم وليس دبلوماسيا او عميلا سريا.
استطرد الميجور غلايدر باللهجة الجديه نفسها :
-إن الألقاب كثيرا ماتكون خداعه يامستر جيسوب ولعلك الآن تتساءل عما يدفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع .. إن توماس بيترتون يمت إلي بصلة القربى عن طريق الزواج .
-إنك فيما اعتقد ابن اخت البروفسور مانهايم؟
-آه إنكم هنا تتحرون عن كل إنسان .
فغمغم جيسوب باسما :
-إن الناس يأتون إلينا هنا ويفضون بما لديهم ، لقد كانت المسز بيترتون هنا وهي التي اخبرتني بهذا وقالت أيضا أنك بعثت إليها برساله.
-نعم .. كتبت إليها اعزيها واسألها عما إذا كانت لديها انباء جديده.
واستطرد الميجور غلايدر يقول:
-إن امي هي الأخت الوحيده للبروفيسور مانهايم، وكانا شديدي التعلق كلاهما بالآخر ، وعندما كنت طفلا كنت اقضي معظم الوقت في بيت خالي ، وكانت إلزا بالنسبة لي بمثابة اخت شقيقه وعندما مات ابي وامي انتقلت للإقامة في بيت خالي وكانت اياما سعيده ثم جاءت الحرب بويلاتها ومآسيها ، وهرب خالي وإلزا إلى امريكا اما انا فبقيت في بولندا وانضممت إلى المقاومة السريه ، وبعد ان وضعت الحرب أوزارها سافرت إلى الولايات المتحده لأزور خالي وابنة خالي ، هذا هو كل شيء.
|