بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اهدني وسددني
المرأة الداعية في الحج
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الحج من المواسم العظيمة التي ينبغي استثماره، والعناية به، كيف لا؟! وهو مجمع الإسلام العظيم، وركن من أركان الدين القويم، وفيه أكمل الله للمؤمنين الدين، وأداؤه ببقعة هي محط أنظار المسلمين، وقبلة جميع الموحدين.
إن الحج فرصة عظيمة لأنواع العبادات، وشتى الطاعات والقربات، ومن أجل هذه القربات اجتماع المسلمين على طاعة واحدة، وكلمة سواء.
في هذا الموسم العظيم تتقارب الأجساد والقلوب، وتتلاقح الأفكار والعقول، وتذوب الفروقات، وتقل الخلافات، الجميع على صعيد واحد، يؤدون عبادة واحدة، يقفون في عرفات جميعاً، ويفيضون إلى منى سوياً، ويرجمون معاً، هذه حكمة عظيمة ومنة من الله لعباده جليلة.
إن هذا الموسم موسم دين ودنيا، فالدين بالعبادة والذكر، والدنيا بالابتغاء من فضل الله تعالى، يقول الله عز وجل:لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة:198].
ومن الميادين التي ينبغي استغلالها والمسارعة إليها في هذا الموسم العظيم ميدان الدعوة إلى الله تعالى، وهو ميدان خصب لجميع العاملين في شتى حقول العمل الدعوي، فالداعية بالقول يجد مكانه، والداعية بالمال يجد مجاله، والداعية بالخدمة يلقى ترحابه، وكل عامل في هذا الموسم يجد حظه ونصيه من العمل، والرجال والنساء في ذلك سواء.
ومن المجالات المهمة التي ينبغي العناية بها ورعايتها وخاصة مع حملة التغريب والتدمير العالمية على نساء المسلمين مجال الدعوة في الجانب النسوي، وموسم الحج من المواسم المهمة لاستغلال مثل هذا الأمر، وتبرز أهمية العمل في هذا المجال من خلال ما يلي:
أ- الواجب الشرعي في الدعوة لله تعالى.
ب- بسبب الهجمة التغريبية العالمية على المرأة المسلمة.
ت- كثرة الشبهات التي أثيرت حول المرأة المسلمة.
ث- كثرة الشهوات وخاصة في الجانب النسائي، واستغلا المرأة في ذلك.
ج- كثرة الجهل وخاصة في جانب النساء.
فإذا عُلمت هذه الأمور كان من الواجب القيام بالدعوة إلى الله في جانب النساء، وخاصة ممن تملك حظاً من علم وبصيرة، مع حكمة وموعظة بالحسنى.
وقبل البدء في عرض بعض المشاريع التي يمكن استثمارها في الحج أحب أن أذكر بمجموعة من الوصايا لأخواتي الداعيات قبل أي عمل لعل الله أن ينفعهن وينفع بهن:
الوصية الأولى: إخلاص العمل لله - تعالى -، وللإخلاص أهمية عظمى في نجاح العمل وبركته، فلتحرص الداعية على الإخلاص التام لله تعالى.
الوصية الثانية: العلم، ولا يشترط حداً عالياً منه، بل كل ما تعلمته الأخت وتثق في ثبوته تبلغه وتنشره ولو كان آية من كتاب الله تعالى.
الوصية الثالثة: النظر إلى المدعوات بعين الرحمة والشفقة واللطف، فالداعية هي رحمة على من تدعوهن، فلتشفق عليهن.
الوصية الرابعة: الاحتساب، ويكون ذلك في أي عمل من الأعمال، فاحتساب الثواب يُحَمِّسُ على العمل، فإن من لاح له أجر العمل هانت عليه مشقة التكليف.
الوصية الخامسة: حسن الخلق، فإن كثير من بلاد الهند والسند لم تفتح في عهد المسلمين الأوائل بالسيف بل بحسن التعامل، وطيب الأخلاق.
ومن الخلق الحسن التبسم الدائم في وجوه المدعوات، فكم فتحت الابتسامة الصادقة مغاليق القلوب، فالابتسامة هي التي تدخل القلب بلا استئذان، وقد عرف الحسن البصري - رحمه الله تعالى - حسن الخلق بقوله:(كلام لين ووجه منبسط).
الوصية السادسة: القدوة الصالحة، فإن المدعوات بحاجة إلى قدوة يَرَيْنَها منكِ أيتها الداعية المباركة، يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالى - لبعض أصحابه:(كونوا دعاة صامتين)، أي تكن الدعوة بالقدوة، والدعوة بالقدوة أحياناً تكن أبلغ من ألف كلمة وكلمة.
الوصية السابعة: الصبر، فإن أي عمل من أعمال البر التي يراد به وجه الله - تعالى - تحتاج إلى احتساب وصبر، فإن الدعوة تحتاج إلى صبر ومصابرة، وإن من لوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصبر على ما يلاقيه الداعي في سبيلهما يقول الله - تعالى - حكاية عن لقمان الحكيم في وصيته لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[لقمان:17]؛ فهو يوصيه بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر بلطفٍ ولينٍ وحكمة بحسب جهده, وتحمَّل ما يصيبه من الأذى مقابل أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
الوصية الثامنة: التواضع لله - تعالى -، ومن التواضع لله التواضع إلى خلقه، فلا تظن الداعيةُ أنها خير من هؤلاء المدعوات بل قد يكن عند الله - تعالى - خيرا منها، فإن التواضع من الداعية يرفعها، ويقربها إلى قلوب المدعوين.
الوصية التاسعة: فقه الأولويات فعلى الداعية أن تفقه ما تحتاجه المدعوة فتبدأ بما يهمهن ابتداءً بالتوحيد ثم بفرائض العبادات ثم ما تحتاجه بعد ذلك.
الوصية العاشرة: الدعاء بالهداية والتسديد، والإعانة والتوفيق، والإخلاص لله - تعالى -، فإذا حرمت الداعية من الهداية والتسديد والإعانة والتوفيق فإن سعيها وبالاً عليها، وصدق من قال:
إِذَا لَم يَكُن عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَـأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلِيْهِ اجْتِهَادُهُ
وكذلك الدعاء للمدعوات بالهداية وأن يشرح الله صدورهن للهدى والحق.
ومن المشاريع التي يمكن أن تشارك فيه المرأة الداعية في الحج - خاصة من كانت في المخيمات - بعض ما يلي:
1- الدعوة إلى الله - تعالى - بالقول، فلا تأتي الداعية للحج إلا وقد جهزت عدداً من المحاضرات والكلمات النافعة، سواء في باب الأحكام أو باب الوعظ والإرشاد، وتكون عقب الصلوات، أو خلال الجلسات العامة، أو الخاصة.
2- حلقات لتحفيظ قصار السور من القرآن الكريم، مع تصحيح التلاوة.
3- استغلال فكرة الدعوة الفردية لهن، عن طريق الجلسات الخاصة، أو عند النوم.
4- توزيع الكتاب والشريط والمطوية، مع الحرص على نوع المادة العلمية والدعوية التي في الكتاب والشريط التي توافق المدعوات، ويُحرص على ما يُهمهن وينفعهن في عقائدهن وعباداتهن.
5- دورات سريعة في بيان صفة الصلاة عملياً، أو أحكام الطهارة، أو شرح صفة الحج، أو شروط الحجاب الشرعي وهيئة لبسه، أو في فن العلاقات الزوجية وغيرها.
6- وضع لوحات إرشادية عن الحجاب وغيرها، ويكون التجهيز لها قبل الحج حتى لا تُشْغِلُ الداعية وقت الحج عما هو أهم، ويكون وضعها من بداية الحج في الموضع العام المعد للجلوس.
7- الهدية التذكارية، وتكون شيئاً نافعاً وعمره طويل، كبعض الدروع، أو الساعات، أو اللوحات الحائطية، أو الأقلام وغيرها.
8- المسابقات الثقافية والعلمية مع توزيع جوائز عليها، ويكون الإعداد لها قبل الحج.
9- تجهيز العروض التي تقدم على شاشات العرض، ويحرص على العروض النافعة لا المضحكة والمبتذلة.
10- الترتيب لزيارة المخيمات المجاورة وذلك عن طريق التنسيق من قبل مشرفي الحملات للقاء بالمدعوات وغشيانهن في مخيماتهن.
11- توزيع الحجاب الشرعي.
12- حفل سمر يكون يوم العيد مثلاً يقدم فيه برنامجاً نافعاً ويكون مخططاً له تخطيطاً جيداً.
13- خدمة المدعوات في الحج وتكون طريقة التقديم في غاية اللطافة والرحمة وتكون مثلاً في:
أ- خدمتهن في الطعام والشراب.
ب- إعداد فرشهن ومساعدتهن في ذلك.
ت- توزيع الماء عليهن، والمشروبات الساخنة.
ث- تقديم ما يحتجن إليه من بعض الملابس وغيرها.
14- أخذ أرقام الهواتف النقالة، والبريد الالكتروني للتواصل معهن بعد الحج بإرسال الرسائل الدعوية النافعة، والمتابعة الهادفة، وغيرها من المشاريع الدعوية الهادفة والنافعة.
15- وفي الختام أسأل الله أن يبارك في جهودكن، وأن يسددكن لخدمة دينه، ونفع عباده إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه الفقير إلى عفو سيده ومولاه
أَبِيْ مُعَاذ ظَافِرُ بْنُ حَسَن آل جَبْعَان
عشية يوم الخميس 2/12/1430هـ
dhaferhasan@gmail.com