ح 259
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ – وَأَنَا جَالِسٌ – كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ ؟ قَالَ : كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ .
العَنَقُ : انبساطُ السَّيرِ ، و " النَّصُّ " فوق ذلكَ .
فيه مسائل :
1= حرص السلف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، من أجل الاقتداء به في كل شأن من شؤونهم .
2= أسامة بن زيد كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم حينما دفع عليه الصلاة والسلام مِن عرفة .
ففي حديث جابر في صفة حجته عليه الصلاة والسلام : وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى : أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ . رواه مسلم .
قال النووي : " الْحِبَال " هُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة الْمَكْسُورَة جَمْع حَبْل ، وَهُوَ التَّلّ اللَّطِيف مِنْ الرَّمْل الضَّخْم . اهـ .
3= حين دَفَع : أي : مِن عرفـة .
وقد بوّب عليه الإمام البخاري : بَابُ السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ .
والدفع ليس خاصا بالخروج من عرفة ، فقد جاء في الحديث : دفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس . رواه النسائي .
4= " العَنَقُ : انبساطُ السَّيرِ ، و " النَّصُّ " فوق ذلكَ " هذا من تفسير هشام بن عروة بن الزبير .
قال البخاري عقب روايته للحديث : قَالَ هِشَامٌ : وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ . ثم قال البخاري : فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاء . اهـ . وكذلك جاء في رواية مسلم أنه من تفسير هشام أيضا .
قال النووي : أَمَّا الْعَنَق فَبِفَتْحِ الْعَيْن وَالنُّون ، وَالنَّصّ بِفَتْحِ النُّون وَتَشْدِيد الصَّاد الْمُهْمَلَة هُمَا نَوْعَانِ مِنْ إِسْرَاع السَّيْر ، وَفِي الْعَنَق نَوْع مِنْ الرِّفْق . وَ " الْفَجْوَة " بِفَتْحِ الْفَاء : الْمَكَان الْمُتَّسِع . اهـ .
5= السنة أن يكون هذا السير في دفع الحجاج من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى .
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ . رواه البخاري . وقال : أَوْضَعُوا : أَسْرَعُوا .
قال الطبري : وبهذا قال العلماء في صفة سيره عليه السلام من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى أنه كان يسير العَنَق ، وبذلك عَمِل السلف . نَقَله ابن بطّال .
6= سبب النهي عن الإسراع ، وعدم إسراعه عليه الصلاة والسلام :
قال عكرمة : سأل رجل ابن عباس عن الإيجاف ؟ فقال : إنَّ حَلْ حَلْ يُشغل عن ذكر الله ، ويُوطِئ ويُؤذِي .
قال المهلب : إنما نهاهم عن الإيضاع والجري إبْقَاء عليهم ، ولئلا يُجْحِفوا بأنفسهم بالتسابق من أجل بُعْدِ المسافة ، لأنها كانت تبهرهم فيفشلوا وتذهب ريحهم ، فقد نهى عن البلوغ إلى مثل هذه الحال . نقله ابن بطال .
7= شفقته صلى الله عليه وسلم بأمّته ، وحرصه عليه الصلاة والسلام على أمته ، فهو كما قال الله عزَّ وَجَلّ في وصفِه عليه الصلاة والسلام : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
8= اسْتُثْنِي من ذلك ما إذا مَرّ الحاجّ بِوادي مُحسّر . ففي حديث جابر : حتى أتى بَطن مُحسِّر ، فَحَرَّك قليلا.
قال ابن المنذر : فكان في معنى قوله : " عليكم بالسكينة " إلا في بطن وادي مُحَسِّر ، فقد كان ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير يوضعون في وادي محسر ، وتَبعهم على ذلك كثير من العلماء . نقله ابن بطال .
9= السنة الرفق بالرُّفْقَة ، ومراعاة أحوال الناس في السير ، وعدم تكلّف المشقَّة .
قال النووي : وَفِيهِ ، مِنْ الْفِقْه : اِسْتِحْبَاب الرِّفْق فِي السَّيْر فِي حَال الزِّحَام .
قال ابن المنذر : وحديث أسامة يدلّ أن أمْره بالسكينة إنما كان في الوقت الذي لم يجد فجوة ، وأنه حين وجد فجوة سار سيرًا فوق ذلك ، وإنما أراد بالسكينة في وقت الزحام . نَقَله ابن بطّال .
والله أعلم .