مصطفى جاد يكتب: الشيخ حسان ويعقوب والحوينى فى قلوبنا
ما أجمل أن نفكر فى الدين بالعقل مع الإحساس به بالقلب والروح! فجميع الأديان السماوية التى بعث الله سبحانه وتعالى بها رسله وأنبيائه تجمع بين العقل والمنطق والوجدان معاً فى قالب واحد، ولابد أن نناقش علماءنا ومشايخنا فى كل لفظة ينطقونها عن الدين ولا نفهمها جيداً، أو نجدها فى اللحظة الإدراكية الأولى كأنها منافية له، حتى يتسنى لنا فهم صحيح للدين، بعيداً عن البدع والتشدد، وقبل اتهام بعض العلماء والدعاة بالتشدد.
ولهذا الأمر، فأنا فى هذا المقال أرد على مقال الأستاذ محمد الدسوقى المعنون تحت (إعادة حسان ويعقوب والحوينى إلى "الميكروباص")، والذى أجد فيه من وجهة نظرى أنه يحمل تجاوزاً فى حق هؤلاء المشايخ والدعاة اللذين أُجلهم وأقدرهم مثل كثير من المسلمين، وأرى أن السبب فى غيرة المسلمين على الدين ودفاعهم عن القنوات الإسلامية الدينية، والتى أرى أنها معتدلة من خلال متابعتى لها، هو أن هذه القنوات تدعوا إلى الترابط المجتمعى وتوضيح مفهوم الدين الصحيح الوسطى الذى يحافظ على النسيج الوطنى، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، وتعلمنا الحب والتآخى والتعايش مع كل أبناء الوطن وكل من يتابعها جيداً يجد هذا، وعندما يقرأ أو يشاهد هجوماً على هذه القنوات يجد فى الكلمات المقروءة أو المنطوقة كثيراً من التأنى على هذه القنوات وهؤلاء العلماء وذكر فتاوى لهم مبتورة ومعلومات غير مصدوقة على عكس ما سمعوه أو شاهدوه منهم.
وعلى عكس ما جاء فى المقال السالف ذكره، فإن القنوات التى يظهر بها هؤلاء المشايخ فهذه القنوات لا تعلى من المظاهر فوق العمل والمعاملات، بل هى تؤكد على أن العمل هو المقام الأول الذى دعا إليه الإسلام قبل المظهر، والتزامات الصدق والإخلاص والنزاهة والأمانة، وكل تلك الأخلاق الدينية التى تحدثت عنها ستجد حلقات كاملة تتحدث عن هذه القيم الجميلة التى رسخها الإسلام، بل وكثير من هذه الحلقات فى برامج مختلفة تحمل أسماء هذه القيم، وآخر ما سمعته من الشيخ حسان بالأمس كان عن الأمانة، وتحدث عنها وضرورة تطبيقها فى كل نواحى الحياة بما فيها الانتخابات والتعاملات، بل وأثناء وجود الفرد مفرداً مع نفسه فقط.
وإذا بحثنا عن ما إذا كانت هذه القنوات تدعوا إلى التطرف والتناحر وفرض الوقيعه بين أبناء الوطن الواحد، وهل الخطاب الدينى فيها يدل على سماحة الإسلام من عدمه؟ فلابد هنا أن نعود إلى البرامج التى تدعون أنها ترسخ الطائفية، ستجدون أن هذا الخطاب يقسم غير المسلمين إلى عدة أقسام، فمنهم من يعيش معنا نأمنه وله على كل المسلمين ما للمسلمين على بعضهم البعض من تعايش ومودة ووفاق وتراحم ووصال، وقسم آخر وهو من يهاجم الإسلام والمسلمين أو يحاول النيل من العقيده الاسلامية أو يحاول استحلال أرضنا وأعراضنا وأهلنا، وهؤلاء يجب علينا الوقوف فى وجوههم، وأقسم بالله أنى قد تغيرت أفكارى تجاه غير المسلمين بعدما علمت من هؤلاء الدعاة ما لهم علينا من حقوق ألزمنا بها الإسلام.
وما يخص عدم اتخاذ غير المسلمين أولياء لنا، فهو حكم ثابت فى نص القرآن، ولا يمكن أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، لأن القرآن شريعة ومنهج متكامل، وكذلك المسيحيين لا يمكن أن يؤمنوا ببعض الإنجيل ويكفروا ببعضه، واليهود كذلك يؤمنون بالتوراة كاملة، ولا يجوز لنا كمسلمين أو مسيحيين أو يهود اختيار ما يناسب هوانا من معتقداتنا طالما أننا نؤمن أنها صحيحة، ونزلت من عند الله ولم تمسها يد تحريف أو تخريب، وكما ذكر مقالكم، فليست القنوات الدينية "السنية" هى المسئولة عن جو الفتنه الطائفية إلا أنك للأسف نقضت كلماتك مرة أخرى فى السطور التى تليها مباشرةً، وصفت هذه القنوات بأنها جعلت الدين "سبوبة" للمتاجرة بالدين وأنها تدعو إلى الانعزالية، فهذا غير صحيح لأنها لا تتاجر بالدين، وأقسم أنى أعلم بعض مقدمى برامج هذه القنوات لا يعملون بها إلا ابتغاء وجه الله، وغايتهم هى توصيل قيم وشرائع الدين بصورة عادلة تخلو من أى حرج، ولابد أنك كإعلامى تعلم أن المورد الرئيسى لأى مؤسسة إعلامية هو الإعلانات، حتى تستطيع أن تظل الوسيلة مستقلة ومستمرة، ولا أرى بهذه الإعلانات أى شكل من الأشكال التى تضر بالذوق العام للمجتمع أو الحياء، على عكس ما يحدث فى أكثر من85% من الإعلانات التى تقدم على القنوات الأخرى، والتى لا تراعى الحالة الاجتماعية أو الخصائص الديموجرافية المختلفة للجمهور المتعرض لها، وترسخ لديه قيم شرائية ترفيهية لا تتناسب مع دخوله المادية، وتنمى لديه الإحساس بالعجز بسبب عدم قدرته على الحصول على السلع أو الخدمات المعلن عنها بعكس إعلانات هذه القنوات.
كما أنه لا يؤخذ على هذه القنوات أن أحبها الناس بهذه الدرجة، ويستعدون للذود عن الشيخ حسان والحوينى ويعقوب وغيرهم لأن هنا تتحرك العاطفة، وكلنا نرى التعصب حتى فى كرة القدم لفرق ولاعبين بعينهم، والذى يصل إلى حد القطيعة بين الأشقاء فى حالة الاعتداء على أىٍ منهم، سواء معنوياً أو مادياً، وكرة القدم لا تساوى شيئاً مقارنة بالأديان وعلمائها، ودائما ما يذكر الشيخ محمد حسان ويحذر من التعصب لشيخ أو عالم أو لرأى على حساب الآخر، ويؤكد على أن الجميع يؤخذ منه ويرد عليه مهما بلغ علمه أو مكانته بين الناس، ودائما ما يجل العلماء دون تفرقه بين أزهرى أو غير ذلك، بل ويقدم البرامج فى هذه القنوات الكثير من أساتذة وعمداء كليات من جامعة الأزهر، والذى يعد منبراً للوسطية، ولقد دعا إلى أهمية التركيز على الدور المحورى للأزهر وريادته للعالم الإسلامى والإسلام المعتدل فى العالم ككل، ولم أجد عالماً من العلماء فى الأزهر إلى الآن يخرج ويقلل من شأن أحد هؤلاء العلماء بالرغم من أنهم هم أصحاب الحق الكامل فى مراجعة ما يجدوا أن أى من مشايخ هذه القنوات قد أخطأ فيه وتجنى به على الإسلام، وليس مبرراً ما يطلقه البعض عن أن الكثير من علماء الأزهر يخشون من الرد، خوفاً على أنفسهم من اللعن والتكفير كما يدعى البعض، لأن عالم الدين الواثق من علمه وفهمه للدين لابد وأن يكون يمتلك الجرأة للذود عنه إذا ما تم الابتداع فيه.
وختاماً، أريد أن أوضح بعض المفاهيم والمصطلحات التى أطلقتها وسائل الإعلام أو جهات مختلفة وترسخت بمعانى خاطئة فى أذهان الجمهور، مثل كلمة سلفية، والتى يرمز إليها الآن بالتشدد وهى فى حقيقة الأمر تعنى تقديم الإسلام عن طريق فهمه ودراسته التى كانت مهمة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين ومن يليهم من السلف الصالح، ولا أحد سيفهم الدين فهماً صحيحاً أفضل من الصحابة، ويقاس على فهمهم بتغير الزمان والمكان، والمصطلح الآخر، وهو مصطلح الوهابية، والمقصود به حقيقةً ما قام به الشيخ محمد ابن عبد الوهاب من منهج تنقية الدين من البدع التى أدخلت وزادت بكثرة فى العصر الفاطمى.
ونهاية، أرجو ألا نستخدم جميعاً توجهاتنا العاطفية فقط على حساب العقلية، وأن نتيقن من المعلومات التى نبنى عليها تقييمنا للأمور، سواء دينية أو غير ذلك، وأن نشاهد هذه القنوات لنحكم عقولنا ونقف على ما يقولوا أولا، ونستفهم مالا نفهم من علماء نثق فيهم قبل أن نبدأ النقض، واسأل الله أن يوفقنا جميعاً للحفاظ على الدين والتمسك بالقيم الدينية، وأن يكون جهدنا جميعاً خالص لوجه الله، والحفاظ على وحدة هذا الوطن وأمنه وتماسكهُ بكل أطيافه.
________________________________________________