أجبرني والدي على الزواج من ابن عمي، وكنت مشمئزة ونافرة من ابن عمي ولا أدري ما هو السبب، وتم الزواج وأنا قلبي نافر وأحس بضيق شديد وهموم وغموم، ولم يكن لي أي نية موجهة إلى رجل آخر هذا ولم أجد مخرجاً من هذا الأمر، وقد أنجبت ثلاثة أولاد وكلهم بكم الألسنة صم الآذان، وقد قيل لي إن السبب أنه قد حصل رضاعة ما بيني وبين ابن عمي المذكور، وقد سألت أمي فأفادت أنه قد حصل بيني وبينه عدة رضعات، وأفادت أنها أخبرت والدي أثناء زفافي على هذا الرجل، بل أثناء خطبتي عليه، فلم يصدقها بل ظن أنها تريد ني لرجل آخر، وأنا في حيرة، كيف أعمل الآن؟ أرجو التوضيح والتفصيل والإرشاد إلى ما فيه الخير.
لا ريب أن الواجب على كل رجل أن يتقي الله في بناته, وأن لا يزوج بنته إلا عن رضاها, وأن لا يجبرها بأحد لا ترضاه, هذا هو الواجب على الأولياء الأب, والأخوة, والأعمام, وغيرهم الواجب عليهم جميعاً أن لا يزوجوا مولياتهم إلا بإذنهن, والأب بالأخص قد يتساهل في هذا؛ لأن بعض أهل العلم يجيز له أن يزوجها بغير اختيارها إذا كانت بكراً, ولكن هذا القول وإن قال به بعض العلماء فهو قول ضعيف قول مرجوح, والصواب أنه ليس له أن يزوج بناته أبكاراً كن أو ثيبات إلا بإذنهن إذا بلغن التسع فأكثر, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، قالوا : يا رسول الله ! البكر تستحي، فكيف إذنها؟ قال: إذنها سكوتها), وقال-عليه الصلاة والسلام-: ( البكر يستأذنها أبوها وأذنها صماتها), فقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه ليس للأب ولا غيره أن يزوج المولية إلا بإذنها, والأب هو المقدم ومع ذلك نهي عن التزويج إلا بإذن, فالأولياء الآخرون من باب أولى، لكن إذا كان حين أمرك بالزواج، أطعتِ ووافقتِ إرضاءً له ومحبة له وتعظيماً لأمره وإن كنت كارهة فلا حرج الزواج صحيح, وما وقع من وجود البنين الثالثة الصم البكم هذا أمره إلا الله قد يكون له أسباب غير ما ذكرت من الرضاع قد يكون له أسباب أخرى، وأنتِ ليس عليك من هذا بأس لأنك لم تعلمي الرضاع، وإنما البأس على أبيك الذي علم الرضاع وتساهل, فالأثم عليه وعليه التوبة إلى الله من ذلك, وإذا كانت الأم قد حفظت خمس رضعات فإنه يكون أخاً لك وليس لكي الزواج عليه والنكاح باطل, ولكن أنت ليس عليك إثم؛ لأنك لم تعلمي والأولاد أولادكما لاحقون بأبيهم للجهل وعدم العلم ببطلان النكاح, والواجب على أبيك التوبة إلى الله عزوجل من ذلك إذا كانت أمك ثقة, وشهدت بخمس رضعات أو أكثر حال كون ابن عمك في الحولين فإن النكاح يكون باطلاً والإثم ثابت على أبيك وعلى أمك نصيب من ذلك؛ لأنها لم تعلمك ولم تعتني بالأمر ولم تشدد فيه فعليها نصيبها من الإثم ولكن إثم الأب أكبر, أما إن كان الرضاع أقل من ذلك رضعة, أو رضعتين، أو ثلاثاً, أو أربعاً فالنكاح صحيح؛ لأن التحريم إنما يحصل بخمس رضعات فأكثر معلومات في الحولين على أن تكون الشهادة ثقة بذلك, والرضعة هي أن يمسك الصبي أو الصبية الثدي ويمتص اللبن ثم يطلق ذلك هذه يقال لها رضعة, فإذا كان ابن عمك قد رضع من أمك خمس رضعات فأكثر يكون في كل رضعة يمسك الثدي ويمتص اللبن ويذهب إلى جوفه ثم يعود بعد ذلك ويرضع حتى يكمل خمساً في مجلس, أو في مجالس, في يوم أو في أيام, فإنك أخته, والنكاح باطل وأسال الله أن يشفي أبناءك الثلاثة, وأن يعظم أجرك, وأن يعفوا عن أبيك عما حصل منه من الخطأ والتقصير, وعن أمك عما حصل منها من التقصير نسأل الله أن يعفوا عن الجميع, وأن يعوظك خيراً من ابن عمك إذا ثبت الرضاع, أو طلقك لأنك تكرهينه على كل حال هذه مصيبة, والدنيا هي دار المصائب ونسأل الله أن يحس العاقبة للجميع.