قوله: ( ومن السُّنَّة تولِّي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم, واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم, قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر:10] وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه . )
شرح: واجب الصحابة علينا : أولاً: محبتهم محبة قلبية لسبقهم وإيمانهم وفضلهم على الأمة بعدهم. ثانيًا: الترضي عنهم كما رضي الله عنهم في قوله تعالى:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (الفتح:18) وفي قوله تعالى:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (التوبة:100) , فإذا ذكرت الصحابة تأتي بعدهم بالترضي فتقول: قال أنس رضي الله عنه، قال جابر رضي الله عنه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك دعاء لهما بالرضى، يعني عنه وعن أبيه أن يتجدد الرضى عنهما وعن الصحابة أجمعين في كل حين، ولك أجر على هذا الترضي. ثالثاً: ذكر محاسنهم، يعني إفشاءها ونشرها، وذكر فضائلهم، وقد اعتنى العلماء بذلك لما رأوا أن الرافضة يكذبون عليهم ويطعنون فيهم قالوا: لا بد أن نهتم بفضائل الصحابة, فالبخاري في صحيحه جعل كتابا في الفضائل، وابتدأه بفضائل أبي بكر ثم بفضائل عمر ثم بفضائل عثمان ثم بفضائل علي واستمر في ذكر فضائل الصحابة الذين وردت لهم فضائل على شرطه. وهكذا الإمام مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم سرد الفضائل التي على شرطه، وبدأ بفضائل الخلفاء الراشدين مبتدئاً بأبي بكر رضي الله عنه ومن بعده، واستمر في ذكر فضائل الصحابة رجالا ونساءً، أفرادا وجماعات, وهكذا الإمام الترمذي في سننه، ذكر فيه فضائل الصحابة وأطال في ذكر فضائلهم ومحاسنهم، وأفردها أيضاً كثير من العلماء، منهم الإمام أحمد له كتاب مطبوع في مجلدين عنوانه (فضائل الصحابة) رضي الله عنهم. ثم إن فضائلهم التي تذكر جاء كثير منها في القرآن الذي نص على فضلهم ,فمن معتقد أهل السنة والجماعة أن ينشروا فضائل الصحابة، وأن يكثروا من ذكرها، وأن يتبادلوها في المجالس، وأن يتكلموا بها في المحافل وفي المجتمعات، حتى يعرفهم الخاص والعام وحتى تنتشر لهم الذكرى الحسنة، وحتى يكون ذلك رداً وإبطالا لما يفتريه عليهم أعداؤهم ، أما مساوئهم فإننا نكف عنها ولا نتكلم فيها. وقد يقول بعض الأعداء كالرافضة: إنهم فعلوا وإنهم فعلوا؛ ويعدونها مثالب ومعايب يقدحون بها فيهم، ومن قرأ كتب هؤلاء الرافضة رآها ممتلئة بمثل هذه المثالب ، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية القول في هذه المساوئ، وذكر أن منها ما هو كذب مفترى لا أصل له فلا يلتفت إليه، ومنها ما هو مغير قد زيد فيه ونقص منه ، وغير عن وضعه حتى توهمه من يسمعه أنه مثلبة ومنقصة، وهو في الحقيقة مدح وثناء، ولكن الأعداء يصوغونه بصياغة يؤخذ منها العيب وهو في الحقيقة مدح، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضًا. رأيت لبعض المتأخرين كتابًا في مجلدين ينشره الرافضة ويوزعونه عنوانه (ثم اهتديت) أو (رجال آمنوا)، والعجب من أمره أنه يجعل كثيرًا من المحاسن مساوئ، ويدعي أنها مثالب ويبالغ في القدح فيها، فمنها اعتراض عمر رضي الله عنه على صلح الحديبية فهل هذا يعتبر طعنًا فيه؟! إنه تحمس لما رأى الصلح قد تم على تلك الشروط، وكان يحب أن يقتحم المسلمون البلاد وأن يقاتلوا ولو قُتلوا، وكان مما ساءه ذلك الشرط الذي فيه أن من جاء مسلمًا فإنه يُرد ، فأخذ الكاتب المذكور يكيل لعمر من السب في اعتراضه على هذا الحكم. ويقال أيضًا أن عليًّا رضي الله عنه من جملة الذين اعترضوا في ذلك حتى إنه لما قيل له: (امح رسول الله), امتنع عن ذلك وقال: (لا والله لا أمحوك أبدًا) مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمره، ولكن لم يجعلوا هذا الامتناع عيبًا ، فلا شك أن فعل عمر رضي الله عنه مدحٌ له، لأنه دليل على حماسته ودليل على غيرته، ثم إنه بعد ذلك وافق رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي به وقال: (فعملت لذلك أعمالاً). كذلك أيضًا من جملة ما يطعنون به في عمر رضي الله عنه؛ اعتراضه على الكتاب الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته: ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلون بعده أبدًا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرهقه المرض، فرفق عمر رضي الله عنه به، وقال: إنه قد بلغ به ما ترون، وعندنا كتاب الله حسبنا .