في البرجولا.. كانت شهرزاد جالسة على أريكة من الخوص وبين يديها خرطوم الشيشة
لبثت متسمرا من الذهول للحظات قبل أن أسرع ناحيتها وأنا أحس أن الكل يتفرجون عليّ وعليها وقلت لها: إيه اللي إنتي عاملاه ده يا ست إنتي؟
ردت قائلة: ست إنتي!!! مالك بتتكلم كده ليه؟
هتفت بها: إرمي الهبابه دي من إيدك
هتفت هي الأخرى: هبابه!!! لو سمحت إتكلم كويس
قلت: إسمعي أنا مش ح أناقشك هنا
إلتفتُّ وأشرت لأحد العاملين لإحضار الشيك ووقعته وطلبت منها الذهاب للشاليه فقامت ووجها يكاد ينفجر بالغضب
*******
ما أن دخلنا الشاليه حتى صاحتْ بصوت ذكرني بالأيام الخوالي: ممكن أفهم ايه التصرف ده, إنت فاكر نفسك إيه؟
قلت: أنا جوزك يا ست هانم, جوزك اللي سايباه نايم وقاعده تشربي شيشه, فيه ست محترمة تشرب شيشه؟
قالت: أنا محترمة غصبن عنك, وأنا ست عاقلة وعارفة أتصرف إزاي ومش مستنياك تعلمني الصح من الغلط
قلت: يعني تشربي شيشه وقدام الناس وتقوليلي صح؟
قالت: آآه إظهر على حقيقتك, يعني إنت يهمّك الناس, يعني لو بعمل الغلط من وراك حتنبسط المهم انك ما تعرفش
قلت: اسمعي.. حاسبي على كلامك واعرفي بتقولي ايه
علا صوتها: انتم كده يا رجّاله.. عايزين ست تأمروا وتنهوا فيها, لا ياحبيبي كنت اتجوّز شغالة
قطع الله السنتكن أيتها الزوجات.. هوّ مفيش راجل يكلم مراته الا لما تقوله روح إتجوز شغالة, انا نفسي اعرف اللي متجوزين شغالات بيتقالهم إيه
قلت: إسمعي أنا لا يمكن أقبل مراتي تشرب شيشه, أنا نَفسي مش بادخّن, تقومي إنتي تشربي شيشه
قالت: آآآآآآآآه قول كده, إنت فاكر إنك عايش في الحرملك, وإنك متجوز الست أمينه ولا إيه، أنا ست حرّة ومش إنت اللي يعرفني أعمل إيه.. دي حريتي الشخصية
هتفت: حريتك الشخصية!!! وايه حدود حرية سعادتك إن شاء الله؟
ردت: هي نفس حدود حريتك بالضبط, انا ممكن اعمل اي حاجه زيك بالضبط
قلت: اسمعي.. من الآخر كده.. مفيش حاجة زي دي تحصل تاني ولو حصلت مش حيحصلك طيب
قالت: نعععععم.. ما تضربني كمان, طيب إيه رأيك إني حعمل اللي أنا عايزاه
قلت: إسمعي ما تخربيش على نفسك انا خلاص مش شايف قدامي
لم تبال وقالت: لأ خوفتني.. حاترمي تحت رجليك أهو واقولك اوعى تقولها.. لا ياشاطر قديمة.. أنا اللي حقولهالك, أنا شارطة في العقد وفاهمة الشرع كويس.. أنا بطلّق نفسي منك من اللحظه دي, يلاّ أخرج من الشاليه لحد ما ألمّ هدومي, انت راجل غريب مايتقفلش علينا باب
وقفت مذهولا وانا أحس ان راسي يكاد ينفجر.. بينما توجهت شهزاد.. عفوا فتكات.. لتفتح الباب وتشير لي بإصبعها لأخرج
*******
خرجت من الشاليه وتوجهت الى الشاطئ لأخلو الى نفسي قليلا
لابد من إعادة تقييم للموقف
إن التهاون في بداية الحياة الزوجية أمر جد خطير
الزوجات عادة ما يُطلقن بالونات الإختبار في بداية الزواج لتحديد إستراتيجية التعامل
مع كل تنازل من الزوج تضغط الزوجة للحصول على تنازلات جديدة لينتهي الأمر بالزوج الى أن يصبح قيمة مهملة في بيته حتى لا يكاد يلاحظ وجوده أحد
الحقيقة أن الزوجات يغيّرن اسالبيهن بصورة أسرع مما يغيّر فيروس الإنفلونزا تركيبته الجينية, ولهذا فشلت كل الطرق في القضاء على كل منهما.. الانفلونزا والزوجات
أخذت أسترجع الطريقة التي اتبعتها زوجتي في بداية الزواج للسيطرة على الأمور.. وقد كنت في تلك المرحلة غرا ساذجا ليس لي بالحياة خبرة تحميني
إستغلّت زوجتي حبي الجارف لها أسوأ الإستغلال.. فقد أخذت تحدثني عن حاجة الأنثى دوما لأن تحس أن رجلها يخاف عليها ويعتبرها جوهرته المكنونة وإنها إذا أحست بغير ذلك فقدت روحها وأصيب قلبها في مقتل
صدقت هذا الكلام.. الذي اكتشفت متأخرا أن زوجتي حفظته من تلك المجلات والكتب التي تلقن الفتيات هذه السموم.. فبذلت كل الجهد لإظهار خوفي عليها بإعتبارها جوهرة مكنونة
وأتذكر عندما عدت يوما فوجدت إصبعها الصغير ملفوفا بالشاش!!! فصرخت هلعا وفرقا وأنا أسألها مرتعشا عما أصابها فقالت: المكواه لسعت صباعي.. أصلي مش متعوده أكوي خالص
عندها وقعت في خطأ تاريخي لازلت أدفع ثمنه حتى اليوم عندما قلت: وتكوي ليه؟ أنا أصلي باعرف أكوي كويس والحياة تعاون والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان في حاجة أهله, أنا اللي حكوي لبسي ولبسك
وحتى يومنا هذا لم استطع التحلل من هذا الوعد وقد اضيف الى ملابسنا ملابس ثلاثة أطفال
لن أنسى رد فعلها.. المدروس.. فقد طفرت عينيها بالدموع وهي تقول: فعلا معاك باحس بالأمان
و.... الباقي معروف
وعندما خرجت الممرضة وهي تطلب الحلاوة بمناسبة أن التحليل موجب.. كان خطأي التاريخي السابع عشر عندما صرخت متأثرا بتلك الأفلام العبيطة: إنتي ماتعمليش حاجه أبدا.. إنتي ترتاحي وبس
كلّفني هذا الخطأ كثيرا جدا فقد كانت فترة تمرين رائعة لي على مختلف أنواع أعمال البيت وتدريب لزوجتي على أساليب الأمر والنهي في التعامل معي
*******
أفقت من تلك الذكريات على واقعي الجديد
فشهرزاد لها إستراتيجية مختلفة عن إستراتيجية الأفاعي الناعمة, فهي تنتهج إستراتيجية التصادم القوي منذ البداية.. فلو تهاونت وانكسرت شوكتي فسيصبح هذا تسليما كاملا لزمام العلاقة بيننا إليها تفعل به ما تشاء
إذن.. لامجال للنعومة والنقاش والإقناع.. لسبب بسيط وهو أن التصعيد مقصود من جانبها.. وهي تختبر صلابتي وقوة تحملي ولن تصيخ السمع لأي حوار
إذن لأريها قوة شكيمتي منذ الأن.. فلا مجال للتراجع أو الاستسلام
*******