داء المكوّرات الرئوية يهدّد أطفال السعودية
حذّر عدد من خبراء صحة الطفل في السعودية مؤخراً من خطورة الأمراض الناتجة عن المكوّرات
الرئوية ودورها كأحد المسبّبات الرئيسة للوفيّات في صفوف الصغار قبل بلوغهم الخامسة، علماً أنّه من الممكن تجنّبها والوقاية منها عن طريق توفير اللقاحات المناسبة التي تغطي أكبر عدد ممكن من أنماط المكوّرات.
من استشاري ورئيس قسم الأمراض المعدية للأطفال في «مستشفى الملك فيصل التخصّصي»
ومركز الأبحاث بالرياض الدكتور سامي حجار، وهو أحد مطلقي هذا التحذير، على داء المكوّرات الرئوية.
ينتشر داء المكوّرات الرئوية في الأنف والحلق (البلعوم الأنفي) في صفوف الرضّع والأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمسة أعوام على نطاق واسع، وبنسبة أقل لدى البالغين. ومن الممكن أن
يُعرّض الأشخاص الذين يحملون هذه البكتيريا في البلعوم الأنفي الآخرين إلى الإصابة بانغلاق
المسالك التنفسية من خلال الرذاذ التنفسي الذي يخرج عند العطس أو السعال، إلا أن ذلك لا يعني
أن جميع الأشخاص الذين يتعرّضون للعدوى قد يصابون بالمرض.
وتختلف أعراض وعلامات هذا الداء باختلاف نوعه، وذلك على النحو التالي:
- المكوّرات الرئوية التجرثمية Pneumococcal Bacteraemia: يصاب الشخص بالحمّى التي
تكون مصحوبة ببعض الأعراض الأخرى غير المعروفة للمرض، وقد تتطوّر هذه الحال إلى تجرثم
الدم.
- التهاب السحايا المصاحب للتكوّر الرئوي Pneumococcal Meningitis: تشمل لائحة
أعراضه الحمّى والصداع والتقيّؤ والنعاس والتهيّج والنوبات وتصلّب الرقبة.
داء ذات الرئة المصاحب للتكوّر الرئوي Pneumococcal Pneumonia: تتمثّل أعراضه في السعال والحمّى وضيق التنفس وألم الصدر.
- التهاب الأذن الوسطى المصاحب للتكوّر الرئويPneumococcal Acute Otitis Media: تشكّل آلام الأذن والحمّى والتقيّؤ والإسهال وفقدان السمع المؤقّت أبرز أعراضه.
_ التهاب الجيوب الأنفية الحاد المصاحب للتكوّر الرئوي Pneumococcal Acute Sinusitis
: تظهر العلامات الدالة عليه عبر الحمّى والرشح والسعال.
التشخيص وعوامل الخطورة
يتمّ تشخيص هذا الداء عن طريق زراعة الكائنات الحية البكتيريــة المستخلصة من الدم أو من أي موقع آخر معقّم من الجسم. وبالإضافة إلى المزارع البكتيرية المعملية، تستخدم الفحوص البدنية والأشعة السينية لإجراء تشخيص سريري. وبالطبع،
ثمّة عوامل خطورة تزيد من احتمالية الإصابة بهذا الداء، تشمل:
- السن: يكون الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين أكثر عرضة لعدوى المكوّرات الرئوية، كما هو الحال مع البالغين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وما فوق. وتشكّل بكتيريا «نيوموكوكاس» السبب الأكثر شيوعاً في إصابة هذه الفئات العمرية بمرض ذات الرئة المكتسب من المجتمع.
- الحــالات المرضــــية الأساسيـة: تعزّز الإصابة بعدد من الأمراض (الخلايا المنجلية ونقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والسكري والشريان الرئوي والطحال) من احتمالية داء المكوّرات الرئوية.
- رعاية الأطفال خارج المنزل: يتعرّض الأطفال الذين تتمّ رعايتهم خارج المنزل إلى خطورة كبيرة للإصابة بمرض المكوّرات الرئوية مقارنة بأولئك الذين يتمّ توفير الرعاية لهم داخل البيت. ويقصد برعاية الطفل خارج المنزل تواجده في مكان لأربع ساعات أو أكثر بشكل منتظم في الأسبوع الواحد مع طفلين على الأقل لا تربطه بهما علاقة وتحت إشراف أشخاص بالغين.
- المجموعة العرقية: تكون بعض السلالات العرقية أكثر عرضة للإصابة بمرض المكوّرات الرئوية كالآسيويين والسود وذوي الأصول الإسبانية والبرتغالية واللاتينية ومواطني ألاسكا الأصليين
والأميركيين الأصليين مقارنة مع ذوي الأصول القوقازية.
أرقام مقلقة
وكشفت دراسة بحثية أجريت في السعودية خلال الفترة الممتدة بين عامي1999 و2003 ونشرت مؤخراً في «النشرة الدولية للأمراض المعدية» International Journal of Infectious diseases أن معدّلات الإصــابة بمرض المكوّرات الرئوية الانتشــاري بين الأطفــال الرضع وحتى الخامسة في السعودية تبلغ 17,4 حالة لكل 100 ألف سنوياً، وهي تعدّ معدّلات مرتفعة مقارنة بالدول الأوروبية وأميركا.
وكانت هذه الدراسة شملت 82 طفلاً تعرّضوا لأمراض ناتجة عن بكتيريا المكوّرات الرئوية في كل من المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية من السعودية، منهم 19 حالة إصابة بالتهاب السحايا أو الحمّى الشوكية (23,2 % من إجمالي عدد الحالات) و63 حالة إصابة بتجرثم الدم (76,8 % من إجمالي عدد الحالات).ولم تلحظ فروق جوهرية في معدلات الإصابة بين الذكور والإناث، في حين ارتفعت حالات الإصابة بمقدار 4 أضعاف خلال السنة الأولى من العمر مقارنة بالسنوات الأربع التالية.
هذه الدراسة دفعت الدكتور سامي حجار إلى التحذير من ارتفاع معدلات انتشار الأمراض الناتجة
عن بكتيريا المكوّرات الرئوية بين الأطفال والمعروفة بالاسم العلمي «ستريبتوكوكوس نيومونيا»
Streptococcus Pneumoniae والتي تستوطن الجهاز التنفسي العلوي، وقد تنتشر إلى
مناطق أخرى من الجسم وتسبّب عدداً من الأمراض المعدية الخطرة بين الأطفال والبالغين على حد سواء، كالتهاب السحايا أو الحمّى الشوكية Meningitis والالتهاب الرئوي Pneumonia
والتهاب الأذن الوسطى Otitis media وتجرثم الدم Bacteremia. ولكنّه أوضح، في الوقت
عينه، أن استخدام اللقاح الواقي من 7 سلالات من المكوّرات العقدية قد أظهر فعاليّة كبيرة، وأسهم في خفص معدّلات الإصابة بمرض المكوّرات الرئوية الانتشاري في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا، وذلك بنسبة 94 % بين عامي 1998 و2004، وكذلك أسهم في خفض معدلات الإصابة بالالتهاب الرئوي بشكل عام بنسبة 39 % وحالات الالتهاب الرئوية الناتجة عن المكوّرات الرئوية على وجه الخصوص بنسبة 65 %.
مقاومة صعبة... ولكن!
رغم وجود ما يزيد عن 90 نمطاً أو سلالة من سلالات المكوّرات الرئوية، إلا أن الدراسات الطبية الحديثة أثبتت أن 13 سلالة منها تسبّب غالبية أمراض المكوّرات الرئوية، ومن بينها نمط 19A المسؤول عن ارتفاع معدّلات الإصابة بالأمراض الناتجة عن المكوّرات الرئوية في كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى.
وفي حين توافر صنوف عدّة من المضادات الحيوية الفعاّلة ضد المكوّرات الرئوية، إلا أن مقاومة
جرثومة الالتهاب الرئوي المتزايدة للمضادات الحيوية الشائعة تؤكد الحاجة إلى توفير واستخدام ا
للقاحات التي تغطي أكبر عدد ممكن من سلالات المكوّرات الرئوية، ويتم استخدامها بداية من سنّ 6 أسابيع وحتى5 سنوات. وتمثّل مقاومة المكوّرات الرئوية للمضادات الحيوية مبعث قلق كبير على الصحة العامة
وتنطوي على عدد من التداعيات الصحية والاقتصادية على مستوى العالم. ومن هنا، تنبع أهميّة
الاعتماد على هذه اللقاحات في الوقاية وتقليص فرص انتقال الأمراض والعدوى والحاجة للعلاج، ما يسهم في الحدّ من الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية إلى درجة كبيرة، وبالتالي تقليل فرص انتشار الميكروبات المقاومة للمضادات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ لقاح الوقاية من 13 سلالة الأكثر انتشاراً وخطورة بين سلالات المكوّرات
العقدية هو اللقاح الوحيد المعتمد من قبل «منظمة الغذاء والدواء الأميركية» FDA، كما تمّ اعتماده من قبل «وكالة الأدوية الأوروبية» EMEA للوقاية من مرض المكوّرات الرئوية الانتشاري
والالتهاب الرئوي والتهاب الأذن الوسطى، وهو مسجّل في أكثر من 78 دولة على مستوى العالم وفي كل دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول الأفريقية. وتوصي «منظمة الصحة
العالمية» بإدراج هذا النوع من اللقاحات في برامج التحصين الوطني الاجباري في جميع دول العالم، لاسيما في دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والتي تعدّ ثالث أكبر منطقة في العالم توجد فيها حالات الالتهاب الرئوي وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية.
دمتم بصحة وعافية