ارتفاع التوتر الشرياني
HYPERTENSION
A. التعريف Definition:
التوتر الشرياني المرتفع هو انحراف كمي أكثر مما هو انحراف نوعي عن الحالة الطبيعية وهو سمة تقابل مرض نوعي، وبذلك فإن أي تعريف لارتفاع التوتر الشرياني يبقى اعتباطياً.
يرتفع التوتر الشرياني الجهازي مع التقدم بالعمر، هذا وإن نسبة حدوث الأمراض القلبية الوعائية (ولا سيما السكتة والداء الإكليلي) مرتبطة بشكل وثيق بمتوسط التوتر الشرياني في كل الأعمار حتى ولو كانت قراءات الضغط ضمن ما يدعى بالمجال الطبيعي. ولحد أبعد من ذلك فإن سلسلة من التجارب العشوائية المضبوطة أظهرت أنه يمكن للعلاج الخافض للضغط أن ينقص نسبة السكتة ولحدٍ أقل من ذلك نسبة الداء الإكليلي (انظر EBM Panel).
EBM
ارتفاع التوتر الشرياني- فائدة العلاج بخافضات التوتر الشرياني:
أظهرت المراجعة المنهجية للعديد من التجارب العشوائية المضبوطة أن العلاج الخافض للتوتر الشرياني ينقص نسبة المراضة والمواتة القلبية الوعائية. وتكون الفائدة بحدها الأعظمي عند المرضى ذوي الخطورة القلبية الوعائية العظمى. أظهر التحليل لـ17 تجربة عشوائية مضبوطة أن المدرات أو حاصرات بيتا أنقصت خطورة الإصابة بالداء الإكليلي بنسبة 16% والنشبة بنسبة 38% والوفيات القلبية الوعائية بنسبة 21% ونسبة المواتة من كل الأسباب بقيمة 13%. أظهرت المراجعات المنهجية الأخرى أن تأثيرات مثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين وضادات الكالسيوم مشابهة لتأثيرات المدرات وحاصرات بيتا.
المخاطر القلبية الوعائية المترافقة مع قيمة مفترضة من الضغط تعتمد على تعاضد عوامل الخطر الموجودة عند كل شخص على حدة، تشمل عوامل الخطر هذه كلاً من السن والجنس والوزن والفعالية الفيزيائية والتدخين والسوابق العائلية وتركيز كوليسترول الدم والداء السكري والداء الوعائي الموجود مسبقاً. ولذلك يعتمد التدبير الفعال لارتفاع الضغط على مقاربة شاملة تعتمد على تحديد أولئك الذين لديهم الخطورة القلبية الوعائية الأعلى واتخاذ تداخلات متعددة العوامل والتي لا تهدف فقط لخفض الضغط بل لتعديل كل عوامل الخطورة القلبية الوعائية القابلة لذلك.
وعلى ضوء هذه الملاحظات نجد أن التعريف المفيد والعملي لارتفاع التوتر الشرياني هو أنه مستوى التوتر الشرياني الذي عنده تتوازن فوائد العلاج مع تكاليفه ومخاطره.
B. أذية الأعضاء الهدف Target organ damage:
تشمل التأثيرات العكسية الناجمة عن ارتفاع التوتر الشرياني بشكل أساسي الأوعية الدموية والجملة العصبية المركزية والشبكية والقلب والكليتين، والتي يمكن غالباً كشفها بوسائط سريرية بسيطة.
1. الأوعية الدموية Blood vessels:
بالنسبة للشرايين الكبيرة (يزيد قطر الواحد منها عن 1 ملم) نلاحظ تثخن الصفيحة الداخلية المرنة وفرط ضخامة العضلات الملساء وتوضع النسيج الليفي. تتوسع الأوعية وتغدو متعرجة وتصبح جدرانها أقل مطاوعة.
أما الشرايين الأصغر (يقل قطر الواحد منها عن 1 ملم) فإنها تصاب بالتصلب الشريني الهياليني على جدرانها وتتضيق لمعاتها وقد تتطور فيها أمهات الدم. يتطور تعصد منتشر قد يؤدي إلى داء إكليلي و/أو وعائي دماغي ولا سيما في حال وجود عوامل خطورة أخرى مثل التدخين أو الداء السكري أو فرط شحوم الدم.
إن تلك التبدلات التشريحية التي تصيب السرير الوعائي غالباً ما تؤدي لديمومة ومفاقمة ارتفاع التوتر الشرياني عبر زيادة المقاومة الوعائية المحيطية وتدني الفعالية الوظيفية الكلوية.
كذلك فإن ارتفاع التوتر الشرياني متورط أيضاً في إمراضية أم دم الأبهر والتسلخ الأبهري.
2. الجملة العصبية المركزية Central nervous system:
إن السكتة اختلاط شائع لارتفاع التوتر الشرياني، وهي قد تنجم عن النزف أو الاحتشاء الدماغيين. إن التعصد السباتي ونوب الإقفار الدماغي العابر أشيع عند المرضى المصابين بارتفاع التوتر الشرياني. كذلك يترافق النزف تحت العنكبوتية أيضاً مع ارتفاع التوتر الشرياني.
اعتلال الدماغ بارتفاع التوتر الشرياني حالة نادرة تتميز بارتفاع الضغط والأعراض العصبية بما فيها الاضطرابات العابرة في الكلام أو الرؤية والمذل وعدم التوجه والنوب (fits) وفقد الوعي. وذمة الحليمة شائعة. في غالب الأحيان يظهر تصوير الدماغ المقطعي وجودَ النزف في وحول النوى القاعدية، على كل حال يكون العجز العصبي عكوساً فيما لو ضبط ارتفاع التوتر الشرياني بشكل مناسب.
3. الشبكية Retina:
يظهر قعر العين مراحل من التبدلات المرتبطة بشدة ارتفاع التوتر الشرياني، ولذلك يمكن لتنظير قعر العين أن يقدم دليلاً على الأذية الشرينية التي قد تكون حدثت في موضع آخر (انظر الجدول 17).
الجدول 17: اعتلال الشبكية بارتفاع التوتر الشرياني.
· الدرجة الأولى:
تثخن وتعرج شريني وزيادة الانعكاسية Reflectiveness (سلك الفضة).
· الدرجة الثانية:
الدرجة الأولى مع تقبض وريدي عند التقاطعات الشريانية (التثلم الشرياني الوريدي).
· الدرجة الثالثة:
الدرجة الثانية مع دلائل على إقفار الشبكية (نزوف بقعية أو بشكل اللهب ونتحات الصوف-قطن).
· الدرجة الرابعة:
الدرجة الثالثة مع وذمة الحليمة.
تترافق نتحات (القطن، الصوف) مع إقفار الشبكية أو احتشائها وهي تتلاشى خلال بضعة أسابيع (انظر الشكل A27). إن النتحات الصلبة (ترسبات شحمية صغيرة وبيضاء وكثيفة) وأمهات الدم المجهرية (النزوف النقطية) مميزة أكثر لاعتلال الشبكية السكري.
يترافق ارتفاع التوتر الشرياني أيضاً مع خثار الوريد الشبكي المركزي (انظر الشكل 27B).
الشكل 27: التبدلات الشبكية الناجمة عن ارتفاع التوتر الشرياني.
A. اعتلال شبكية بارتفاع التوتر الشرياني درجة رابعة يُظهر تورم القرص البصري والنزوف الشبكية والعديد من بقع الصوف والقطن (احتشاءات).
B. خثار الوريد الشبكي المركزي يظهر تورم القرص البصري ونزوف منتشرة في قعر العين يترافق بشكل شائع مع ارتفاع التوتر الشرياني الجهازي.
4. القلب Heart:
تنجم نسبة المراضة والمواتة القلبية المرتفعة المترافقة مع ارتفاع التوتر الشرياني بشكل كبير عن ارتفاع نسبة الداء الإكليلي عند هؤلاء المرضى.
يُلقي التوتر الشرياني المرتفع حملاً ضغطياً على القلب وقد يؤدي لفرط ضخامة البطين الأيسر مع زيادة قوة ضربة القمة وظهور الصوت الرابع. إن وجود علامات تخطيطية أو دلائل بتصوير القلب بالصدى على الضخامة البطينية اليسرى، إن وجودها مؤشر عالي الثقة التنبؤية على حدوث اختلاطات قلبية وعائية ولذلك يعد هذان الاختباران قيمين جداً في تقييم الخطورة بشكل خاص.
إن الرجفان الأذيني شائع وهو قد ينجم عن سوء الوظيفة الانبساطية الناجم بدوره عن فرط ضخامة البطين الأيسر أو عن تأثيرات الداء الإكليلي.
يمكن لارتفاع التوتر الشرياني الشديد أن يسبب قصور بطين أيسر بغياب الداء الإكليلي وخصوصاً في حال اضطراب الوظيفة الكلوية الذي يؤدي لضعف إطراح الصوديوم.
5. الكليتين Kedneys:
قد يسبب ارتفاع التوتر الشرياني المديدُ بيلة بروتينية وقصور كلوي مترقي بآلية تأذي السرير الوعائي الكلوي.
6. مرحلة ارتفاع التوتر الشرياني المتسارع أو الخبيث:
"Malignant" or "Accelerated" phase hypertension:
قد تحدث هذه الحالة النادرة عند مرضى ارتفاع التوتر الشرياني مهما كان سببه، وهي تتميز بأذية وعائية مجهرية متسارعة مع تنخر في جدران الشرايين الصغيرة والشرينات (تنخر ليفيني) وخثار داخل وعائي.
يرتكز التشخيص على وجود ارتفاع توتر شرياني مترافق مع أذية أعضاء انتهائية مترقية بسرعة مثل اعتلال شبكية درجة ثالثة أو رابعة و/أو اضطراب الوظيفة الكلوية (ولاسيما البيلة البروتينية) و/أو اعتلال الدماغ بفرط التوتر (انظر سابقاً). قد يصاب المريض بقصور البطين الأيسر الذي إن لم يعالج سيؤدي للموت خلال أشهر.
C. الأسباب Etiology:
لا يكشف سبب مستبطن نوعي لارتفاع الضغط في أكثر من 95% من الحالات، وعندها يقال بأن المريض مصاب بارتفاع التوتر الشرياني الأساسي.
إن الآلية الإمراضية لارتفاع التوتر الشرياني الأساسي غير مفهومة بشكل واضح. ولقد افترض باحثون مختلفون أنه يمكن للكلية وأوعية المقاومة المحيطية والجهاز العصبي الودي أن تكون البؤرة المحدثة للاضطراب الأولي. وفي الحقيقة فإن المشكلة قد تكون متعددة العوامل.
إن ارتفاع التوتر الشرياني أكثر شيوعاً عند بعض المجموعات العرقية ولاسيما الأمريكيين السود واليابانيين، وإن حوالي 40-60% من الحالات يمكن تفسيرها اعتماداً على عوامل جينية. توجد عوامل محيطة مهمة تتضمن الوارد الغني بالملح وتناول الكحول بإفراط والبدانة وقلة التمارين وضعف النمو داخل الرحم. يوجد عدد قليل جداً من الأدلة على أنه يمكن للشدة النفسية أن تسبب ارتفاع التوتر الشرياني.
عند حوالي 5% من الحالات غير المنتخبة نجد أن ارتفاع التوتر الشرياني يكون ناجماً عن مرض أو اضطراب نوعي يؤدي لاحتباس الصوديوم و/أو للتقبض الوعائي المحيطي (ارتفاع التوتر الشرياني الثانوي، انظر الجدول 18).
الجدول 18: أسباب ارتفاع التوتر الشرياني الثانوي.
الكحول.
الحمل (ما قبل الإرجاج).
الأمراض الكلوية:
· الداء الوعائي الكلوي.
· الداء الكلوي البارانشيمي، وخصوصاً التهاب الكبب والكلية.
· داء الكلية عديدة الكيسات.
أمراض الغدد الصم:
· ورم القواتم.
· متلازمة كوشينغ.
· فرط نشاط جارات الدرق.
· ضخامة النهايات.
· فرط التنسج الكظري الخلقي الناجم عن عوز 11-b- هيدروكسيلاز أو 17-هيدروكسيلاز.
· عوز 11-b- هيدروكسي ستيروئيد دي هيدروجيناز.
· متلازمة كون (الألدوستيرونية الأولية).
· قصور الدرق الأولي.
· الانسمام الدرقي.
· متلازمة ليدل.
الأدوية:
· حبوب منع الحمل الحاوية على الأوستروجينات، الستيروئيدات البانية، الستيروئيدات القشرية، مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، مقلدات الودي، كاربينوكسولون.
تضيق برزخ الأبهر.
D. مقاربة ارتفاع التوتر الشرياني المشخص حديثاً:
Approach to newly diagnosed hypertension:
أحياناً يسبب ارتفاع التوتر الشرياني الصداع، ولكن بافتراض عدم وجود اختلاطات فإن معظم المرضى يبقون لاعرضيين، ولذلك يشخص هذا المرض عادة خلال الفحص الروتيني أو عند ظهور الاختلاطات. ينصح بقياس التوتر الشرياني بفواصل 5 سنوات عند البالغين.
تشمل الأهداف التي يجب تحقيقها خلال التقييم الأولي للمريض الذي لديه قراءات عالية للتوتر الشرياني ما يلي:
ـ الحصول على قياسات دقيقة ومثالية للتوتر الشرياني.
ـ تحديد أية عوامل مساهمة أو أسباب مستبطنة لهذه المشكلة (ارتفاع ضغط ثانوي).
ـ تقييم بقية عوامل الخطورة وتحديد شدة الخطورة القلبية الوعائية.
ـ كشف أية اختلاطات (أذية الأعضاء الهدف) موجودة مسبقاً.
ـ تحديد الأمراض الأخرى المرافقة التي قد تؤثر على اختيار العلاج الخافض للضغط.
هذا ويمكن تحقيق هذه الغايات عادة بأخذ قصة مرضية دقيقة وبإجراء فحص سريري متقن وبالاستعانة ببعض الاستقصاءات البسيطة.
E. قياس التوتر الشرياني Measurement of blood pressure:
إن القرار بالمباشرة بإعطاء الأدوية الخافضة للضغط بشكل فعال يعني استمرار المريض عليها مدى الحياة ولذلك من الضروري جداً أن تكون قراءات التوتر الشرياني التي سيرتكز عليها هذا القرار دقيقة قدر الإمكان.
يجب أن تكون القياسات لأقرب 2 ملمز، ويكون المريض جالساً وطرفه العلوي مدعوم، ويجب إعادة القياس بعد 5 دقائق من الراحة في حال كانت القراءة الأولى مرتفعة (انظر الجدول 19).
الجدول 19: قياس التوتر الشرياني.
· استخدم جهازاً صالحاً ومعايراً بشكل جيد.
· قِسْ التوتر الشرياني روتينياً بوضعية الجلوس، وقِسه أيضاً بوضعية الوقوف عند المسنين والسكريين.
· أزِلْ الثياب المحكمة الشد على الذراع.
· ادعم الذراع بحيث يكون على مستوى القلب.
· استخدم كماً بقياس مناسب (يجب أن يحيط الكيس الهوائي بأكثر من ثلثي محيط الذراع).
· نفس الكم ببطء خلال القياس (بحيث ينخفض عمود الزئبق 2 ملمز في الثانية).
· اقرأ التوتر الشرياني إلى أقرب 2 ملمز.
· اعتمد على الطور الخامس لكوروتكوف لقياس الضغط الانبساطي و(اختفاء الأصوات).
· قس التوتر الشرياني مرتين في كل زيارة.
كذلك يجب قياس الضغط بوضعية الوقوف عند المسنين والسكريين وأولئك الذين قد يعانون من انخفاض التوتر الشرياني الانتصابي. يجب لكي نتجنب القراءات المرتفعة الزائفة عند البدينين أن نزود كم ميزان الضغط بكيس هواء يطوق على الأقل ثلثي محيط الذارع. يجب تسجيل الضغط الانبساطي عند الطور الخامس من أطوار كوروتكوف (طور اختفاء الأصوات) وليس عند الطور الرابع (طور تخامد الأصوات).