بتـــــاريخ : 3/14/2009 3:49:39 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2180 0


    تأمَّلات فيما في مظاهر الشتاء من الآيات

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عبد المعطي عبد الغني | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    تأملات مظاهر الشتاء الآيات
    تأمَّلات فيما في مظاهر الشتاء من الآيات

    كتبه/ عبد المعطي عبد الغني

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فالتفكر في آيات الله، وعجائب صنعه، من أجلِّ العبادات التي يغفل عنها الكثير من الناس، وقد دعانا الله -عز وجل- للتفكر فيما خلق فقال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(آل عمران: 190- 191)

    ـ وفصل الشتاء وما يكون فيه من ظواهر طبيعية كالمطر والثلج والبرد والرعد والرياح وغيرها، يستدعي النظر والتأمَّل؛ لتدرك القلوب عظمة ربها وخالقها وقدرته ورحمته وحكمته وقيامه علي خلقه وإنعامه وفضله فتنطق: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(أل عمران: 191).

    1ـ فتأمَّل المزن وقد حملت فأثقلت، ثم ألـَّف الله بينها، ثم ساقتها الرياح إلى حيث يصير ركاماً، فترى الودق يخرج من خلاله، قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ . يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)(النور: 45).

    2ـ وتأمَّل حبات المطر وهي تهوي كاللؤلؤ المنضود، وقد سالت أودية بقدرها، وداعبت الأرضَ الميتةَ، فاهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، جناتٍ، وحبَ الحصيد، ونخلاً باسقات لها طلع نضيد: قال الله -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ . رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)(قّ: 9- 11).

    3ـ تأمَّل كيف يكون المطر رحمة، وقد يكون عذاباً، يكون رحمة ينشرها، وغيثاً يغيث الله به عباده، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(الشورى: 28).

    وتأمَّل كيف جعله الله رجزاً على من كفر به، وكذَّب رسله، وجحد فضله، فقوم "عاد" رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)، فكان مصيرهم المحتوم (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(الأحقاف: 24).

    4ـ تأمَّل كيف حاول الإنسان أن يؤَلِّف بين السحاب، ويهيِّئ لها الأسباب، لينزل المطر، وكيف جاءت محاولاته خاسرة، فلم يفعل شيئاً سوى توفير الظروف المناسبة، فتكلف العَنَتَ، ونزل مطر قليل في بقعة محدودة لزمن محدود. تأمَّل هذا، وانظر كيف يُنزِل الله المطر فتجري به الأنهار، وتمتلئ به الأودية قال -تعالى-: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً)(الرعد: 17).

    5ـ تأمَّل كيف يبتلي الله عباده بالمطر، يُنزِله فتتحرك شفاه المؤمنين بنسبته إلى فضله ورحمته، ويكفر آخرون بنسبته للكواكب والأنواء، فعن زيد بن خالد الجهني قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) متفق عليه.

    6ـ تأمَّل حاجة العبد إلي ربه -سبحانه وتعالى- إذا غاب عنه المطر، حتى كاد الزرع يهلك، والضرع يجف، فيرشده ربه إلي دعائه، وطلب السقيا منه فيسقيه، فيوقِن القلب بأن له رباً سميعاً عليماً، يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف الضر، فيدعوه عند الحاجات، ويسأله تفريج الكربات، ولا يدعو من دونه نبياً ولا ولياً، ولا شجراً ولا حجراً، فأنى للمخلوق العاجز أن يفعل ما لا يفعله إلا الرب القادر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم صيباً نافعاً.

    7ـ تأمَّل كيف ينزل الله المطر بقدر، إذ عدله -سبحانه- في كل شيء، فلو قَلَّ المطر لهلك العباد، ولو طغى لصار طوفاناً مدمرًا (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)(القمر: 11-12).

    8ـ تأمَّل كيف ينال العباد ما عند الله بطاعته، ويُحرَمون ما عنده بمعصيتهم، فما مَنَعَ الناس زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وقد ساقه الله -عز وجل- إلى رجل في الصحراء ليروي حديقة كان يخرج زكاتها، وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك فقال له يا عبد الله لم تسألني عن اسمي فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه) رواه مسلم.

    9ـ تأمَّل كيف دلل القرآن علي البعث بعد الموت، والحياة بعد الفناء، بإحياء الأرض بالمطر (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى)(فصلت: 39).

    10ـ تأمَّل كيف ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- بين نزول المطر من السماء، وصفة العلو والفوقية الثابتة لله -تعالى- فالله فوق عرشه مستوٍ عليه بكيفية لا يعلمها إلا هو (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(طـه: 5).

    فقد كان يبلِّلُ بدنه بالمطر عند ابتداء نزوله ويقول: (إنه حديث عهد بربه) رواه مسلم.

    11ـ تأمَّل ما ينزل مع المطر من بَرَد أحياناً، وتذكَّر أن الصحف يوم القيامة سوف تتطاير، كما يتطاير هذا البَرَد.

    يقول أحد الزهاد: "ما رأيت الثلج يتساقط من السماء إلا تذكرت تطاير الصحف يوم الحشر والنشر"، فباليمين ستأخذ كتابك أم بشمالك؟ فهل أعددت لهذا اليوم عدته؟

    (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً . وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً . وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ . فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً . وَيَصْلَى سَعِيراً . إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً . إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ . بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً)(الانشقاق: 7-15).

    12ـ تأمَّل برد الشتاء، وتذكر أن الله كما يعذب في النار بحرها ولهيبها، يعذب أيضاً ببردها وزمهريرها، فإن أشد ما يكون من برد في دنيانا إنما هو نفس من أنفاس جهنم، فيا من لا تقوى على درجات حرارة انخفضت قليلاً، ألا تذكر النار وزمهريرها؟!

    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اشتكت النار إلى ربها فقالت أكل بعضي بعضاً، فجعل لها نفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها وأشد ما تجدون من حر من سمومها) رواه البخاري ومسلم.

    13ـ تأمَّل ما يفجره برد الشتاء من عواطف البر والرحمة في قلوب المؤمنين عندما يتألمون من قرص البرد وألمه، وشدته وسطوته، فيتذكرون أن لهم إخواناً لا يجدون ما يدفعون به هذا البرد، قد اخترق زمهريره أجسادهم، وسطا على أبنائهم وذويهم، فيبحثون عنهم، ويمدون يد العون لهم، ويؤثرونهم على أنفسهم، إذ كيف يبيت المسلم متدثراً بالأغطية الوثيرة، تفرش من تحته، وتلقى من فوقه، وله إخوان لا يجدون الكساء والغطاء.

    أين معاني الرحمة والإيثار إذا تغطى الواحد منا وعري أخوه؟ وأين هي إذا استدفأ الواحد منا وتأفف إخوانه الفقراء من البرد؟

    لذا كان مما يجب على المسلم أن يسعى في قضاء حوائج إخوانه، فإن وجدهم يحتاجون إلى كساء كساهم، وإن وجدهم في حاجة إلى غطاء اشتراه لهم، أو اقتسم غطاءه معهم، وإنهم ليسعدهم ما نحقر نحن من أثاث بيوتنا.

    هل يوجد فينا مثل سعد بن الربيع -رضي الله عنه- حين عرض على عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- نصف ماله؟

    يمكن أن تشتري بطانية أو تشترك مع غيرك في شرائها، أو تدعو إخوانك إلى التبرع بالأغطية الزائدة عن حاجتهم، فاتق يا أخي زمهرير النار ولو بـ "بطانية"؛ فمن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

    14ـ تأمَّل قصف الرعد، واذكر أنه وعيد شديد لأهل الأرض، فقد كان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، هذا وعيد شديد لأهل الأرض".

    15ـ إذا اشتدت الريح فاسأل الله خيرها، وخير ما أرسلت به، واستعذ بالله من شرها وشر ما أرسلت به، فإن الله يرسلها لواقح كما قال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ)(الحجر: 2)، ويرسلها نواقم كما قال: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ . فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (الحاقة:6 -8).

    16ـ تأمَّل طول ليل الشتاء، وقصر نهاره، واجتهد قبل أن يحل بك خريف العمر، فقد قال عمر -رضي الله عنه-: "الشتاء غنيمة العابدين"، وقال ابن مسعود: "مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"، وقال الحسن: "نعم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".

    ولذا بكى المجتهدون على التفريط إن فرطوا في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام، ورحم الله معضداً حيث قال: "لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله، ما باليت أن أكون يعسوباً -أي ذكر النحل-".

    17ـ تأمَّل يسر الدين في الشتاء، فماء المطر والثلج والبرد طهور، ويجوز المسح علي الخفين والجوربين في البرد وغيره، ويجوز لبس القفازين لمن يؤلمه البرد، ويجوز الوضوء بالماء الدافئ، ويعفى عن طين الطريق إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة بالشتاء والمنثورة في كتب الأحكام، فلا يحول بينك وبين ربك شيء، بل اجتهادك في طاعته مع تحمل المكاره يرفع درجتك، ويحط خطيئتك، فقد سأل النبي الصحابة: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) رواه مسلم.

    والحمد لله أولاً وآخراً.


    كلمات مفتاحية  :
    تأملات مظاهر الشتاء الآيات

    تعليقات الزوار ()