الحلقة 16:
زمرة الشهداء
زمرة الشهداء هم الفريق الثالث الذي يستوطن الجنة العليا وهي الفردوس الأعلى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) النساء). فالشهداء هم الفريق الثالث الذي يُشكّل شعب الفردوس الأعلى وهي منزلة يعرفها الجميع كما قال r: "سلوا الله الفردوس الأعلى فإنها مقصورة الرحمن". والشهيد لا يموت كما يعرف الجميع. فريقان لا يموتان الأنبياء والشهداء (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) الزمر) أي جيء بهم من مكان إقامتهم في البرزخ لأنهم لا يموتون وهم أحياء في قبورهم كما جاء في الحديث وفي نص الآية.
الشهيد أول خطواته أن عليك أن تسأل الشهادة لأنها منحة وليست إكتساباً. وقد جهد أناسٌ كثيرون في مواطن كثيرة من الصراعات أن يموتوا وما ماتوا كما فعل خالد بن الوليد ومعروف جهاده ومع هذا لم ينل الشهادة وينالها رجل لا تعرف كيف نالها: عندما ذهب النبي r لى خيبر ورأوا الراعي خارج السور فأسلم ودخل معهم داخل السور فجاءت نبلة فقتلته فقال r: " إن من عباد الله من استشهد ودخل الجنة ولم يركع لله ركعة " ما إن أسلم حتى استشهد.
الشهادة منحة فعليك أن تسأل الشهادة ومن سأل الشهادة صادقاً من قلبه أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه. أي إكرام هذا؟!. إذا قلت يا رب نوّلني الشهادة وعلم تعالى أنك صادق في هذا فأنت مع الشهداء يوم القيامة ولو مت على فراشك. ومن كرامة الشهيد في الدنيا أنه لا يشعر بساعة القتل سواء مات بالسيف أو بصاروخ أو إطلاقة نار لكنه يموت ولا يشعر أنه قُتِل. من أجل هذا هم أحياء في قبورهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) آل عمران).
لما نزل قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) الزمر) سأل النبي r جبريل u: من هؤلاء الذين يشاء الله أن لا يموتوا؟ قال جبريل: الشهداء.
إذن الشهداء هذه الشريحة المكرمة التي تبذل أعز ما يملكه الإنسان وهي دمه، هناك أولاد ومال وملك قد تضحي بهم لكن أن تضحي بنفسك فهذه أعظم أنواع التضحية وأعظم أنواع الكرم والجود. فمن أراد أن يكون مع هذه الزمرة العظيمة التي لا تُصعَق ولا تموت وأحياء في قبورهم وهم سُكّان وشعب الجنة العظيمة المتجلية الفردوس الأعلى فلتبدأ بسؤال الله الشهادة صادقاً من قلبك فإذا علِم الله تعالى صدقك نوّلك هذه المنزلة سواء مِت شهيداً فعلاً أو بالنيّة وكلاهما تتجلى في هذه الزمرة العظيمة. نسأله تعالى أن ينوّلنا الشهادة في سبيله لوجهه الكريم بلا رياء ولا سمعة.