تزوجت منذُ خمسة عشر سنة من امرأة مسلمة، وأنجبت لي أربعة أولاد وابنتين، إلا أن العلاقة الزوجية بيننا قد ساءت بادئ الأمر، ثم تم الصلح بتدخل الأقارب، ولكن ما لبث أن عاد الخلاف بيننا، وقد حاولت إصلاح أمرها بشتى الطرق ولكن لا فائدة، وذات مرةٍ اشتد غضبي عليها فقلت لها: أنتِ طالق، وقد استفتيت أحد المشايخ فأفتاني باسترجاعها، وفعلاً، ولم يدوم الوفاق بيننا بل عادت إلى ماضيها وإساءتها إلي بكل ما تستطيع فعله، فقلت لها: أنت طالق يا فلانة، وسميتها باسمها، ومرةً ثالثة، وربما رابعة، كلما تسيء إلي أقول لها: أنت طالق دون أن تسمعني، وحدث هذا أكثر من ثلاث مرات، فهل تحرم علي بعد ذلك أم لا؟
إذا كان الطلاق صدر منك وأنت في شعورك وضبط عقلك وكملت الثلاث حرمت عليك، لأن الطلقة الثالثة هي الأخيرة، والله -سبحانه- يقول: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ[البقرة: 230]، وهذه الطلقة هي الثالثة، فإذا كنت في الطلقات الثلاث قد حضر شعورك وقلتها وأنت ضابط عقلك فإنها تقع هذه الطلقات، إلا إذا كان شيء منها في حال حيض أو نفاس أو طهر جامعتها فيه فإنها لا تقع في أصح قولي العلماء، والمسألة فيها خلاف، وعند الجمهور أن الطلاق يقع حتى في حال البدعة، في حال الحيض والنفاس، ولكن أرجح القولين عدم الوقوع إذا كان الطلاق وقع منك في حال كونها حائضاً أو نفساء أو في طهر جامعتها فيه، ولا يجوز الطلاق في حال الحيض ولا في النفاس ولا في طهر جامعتها فيه، يحرم الطلاق في هذه الأحوال الثلاث لما ثبت من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض فأنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق قبل أن يمس ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، يعني في قوله -سبحانه-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[الطلاق: 1] فطلاقهن لعدة أن تطلق المرأة في حال طهر لم يجامعها فيه الرجل، أو في حال كونها حاملاً، هذا هو الطلاق الشرعي، أن تطلق المرأة حال كونها حاملاً أو في طهر لم يجامعها الزوج فيه ولم يتبين حملها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- .......... ابن عمر: (ثم يطلقها حائضاً أو حاملاً)، .......... قبل أن يمسها، هذا يدل على أن الطلاق في حال الحيض أو النفاس أو في طهر جامعها فيه يكون بدعة يكون محرماً. لكن هل يقع أو لا على قولين: أكثر أهل العلم على أنه يقع مع الإثم، والقول الثاني: أنه يأثم وعليه التوبة إلى الله ولكن لا يقع، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر: (راجعها) ولم يقله أن الطلاق وقع، فقال: (رجعها) أي ردها، وفي لفظ: (فردها عليه ولم يراها شيئاً)، قال ابن عمر: (فردها علي ولم يراها شيئاً)، أي لم يراها شيئاً واقعاً على الصحيح، ولكن عليك مع هذا التوبة إلى الله إذا كنت راجعتها بعد الثالثة، ولم تتبصر ولم تسأل فالواجب على المؤمن أن يسأل ولا يقدم على شيء إلا على بصيرة، فالطلاق الثالث يحرمها إلا إذا وجد مانع من وقوعه، فعليك أن تتصل بأهل العلم مع المرأة ووليها حتى يحقق في أمركما وحتى يعرف حالها حين الطلاق، وبعد ذلك يفتيك العالم بما يتضح له شرعاً عند حضورك مع المرأة ووليها لديك وسؤالكم جميعاً عما وقع، وقد عرفت من هذا الكلام أن الطلقة الأخيرة الثالثة تحرمها عليك، حتى تنكح زوجاً غيرك، إذا كانت الطلقات الثلاث وقعت في حال طهر لم تجامعها فيه، أو وقعت في حال كونها حاملاً، فإنها تحرك عليك حتى تنكح زوجاً غيرك. أما إن كانت هذه الطلقات وقعت في حيض أو نفاس أو طهر جامعتها فيه فإنها لا تقع، ويبقى لها طلقة إذا كان الطلاق الواقع ثلاثاً وإن كان الواقع أربعاً فهذه أكبر وأشنع، وكيف يحل لك أن تتصل بها بعد الثالثة، ولم تسأل، ولم تستفت أهل العلم فالمقصود أن عليك أن تسأل أهل العلم وأن تتبصر في أمرك ويكون معك وليها والمرأة أيضاً عند السؤال حتى يتوصل العالم مما وقع بينكم وحتى يفتيكم بما يراه شرعاً. نسأل الله للجميع الهداية.