بتـــــاريخ : 7/26/2010 3:25:16 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1271 0


    القرد حكماً (4)‏

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حبيب | المصدر : www.almasryalyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    القرد حكما مقالات اراء

    استدعى القط «الزعيم» وزراءه كشكول وسحلول ‏وشملول ومتوول ومسلول وبهلول وبلبول‎ ‎ومخبول ‏ومقبول ومشغول.. فلما حضروا أجلسهم حوله وقال: ‏هل تعلمون لِمَ جمعتكم‎ ‎اليوم؟.. أجاب الوزراء فى نفس ‏واحد: كلا يا مولاى .. لكن الوزير متوول سارع ‏وقال‎: ‎من المؤكد أن جلالتكم استدعيتنا لأمر جلل.. ‏وكما تعلم يا مولاى نحن نأتى عادة دون‎ ‎أن نعرف ‏السبب.. الزعيم وقد بدا عليه شىء من التأثر: لقد ‏جمعتكم من أجل موضوع مهم‎ ‎شغل بالى وأهمنى ‏وأذهب النوم عن أجفانى.. الوزير بلبول: أقلقتنا يا ‏مولاى.. لعله‎ ‎خيرا.. بالله عليك لا تدعنا حيارى.. ‏الزعيم: إنه ولدى.. فلذة كبدى معلول.. الوزير‎ ‎شملول: ‏سلامته يا مولاى.. هل لا قدر الله أصابه شىء، أو ‏يشكو من شىء؟‎..‎
    ‎ ‎الزعيم: كلا كلا.. لكنه منذ شهور قليلة تأتيه أحلام ‏مزعجة وكوابيس توقظه من‎ ‎النوم مفزوعا ويظل ‏يصرخ، فنلتف حوله أنا وأمه المسكينة ومعنا الخدم ‏والحشم لنهدئ من‎ ‎روعه، ونبقى إلى جواره ساعات ‏إلى أن يعاوده النوم من جديد.. والمشكلة أن هذا الأمر‎ ‎يتكرر كل ليلة.. وفى النهار هو حزين على الدوام، ‏معتل المزاج، مكتئب، لا يبتسم‎ ‎أبداً، لم يعد يقبل على ‏الحياة، وقد أوجع قلبى كما أوجع قلب أمه.. الوزير ‏مخبول‎: ‎هذه حالة عارضة يا مولاى وكلنا يعانى منها، ‏ولا يكاد يسلم منها أحد فى المملكة، وهى‎ ‎سمة العصر ‏الذى نعيشه، ولو أنك سألت كل وزرائك لسمعت منهم ‏نفس الإجابة.. فلا تقلق‎ ‎يا مولاى .. الوزير متوول: ‏نعم نعم يا مولاى، ولو أن جلالتكم كلفت أحدنا بعمل ‏إحصاء‎ ‎لوجدت أن غالبية الشعب القططى تشكو من ‏نفس الحالة‎..‎
    ‎ ‎الوزير بلبول: هل تم عرضه على طبيب يا مولاى؟.. ‏الزعيم: لا أخفى عليكم سرا‎.. ‎لقد عرضته على أعظم ‏الأطباء فى المملكة، لكنهم عجزوا عن تشخيص الداء.. ‏استدعيت‎ ‎أطباء عباقرة ذائعى الصيت من مملكة الذئاب ‏والكلاب، أجروا سيلا من الفحوصات، لكنهم‎ ‎أيضا ‏حاروا فى معرفة السبب.. الوزير بهلول: عندى حل يا ‏مولاى .. الزعيم: أسرع به‎.. ‎بهلول: لدينا فى قريتنا ‏قط مبروك يدعى رهوان، سره باتع ودعاؤه مستجاب ‏ويشفى أمراضاً‎ ‎كثيرة ولا تقف أمامه علة، صغرت أم ‏كبرت.. سحلول: ما هذا الهراء يا بهلول.. لم يعد‎ ‎عندنا سوى الدجل والشعوذة واللجوء إلى هؤلاء ‏المهاويس.. بهلول: أنت لا تعرف بركات‎ ‎هذا القط يا ‏سحلول.. إنه قط مشهور ويقصده القطط من كل فج، ‏من داخل المملكة وخارجها،‎ ‎وكثير منهم من علية ‏القوم.. ساسة ووزراء وكتاب وأدباء وشعراء ‏وفنانون.. ثم نحن لن‎ ‎نخسر شيئا.. دعنا نجرب‎..‎
    ‎ ‎ثم وجه حديثه للزعيم وقال: ما رأى مولاى؟.. ‏الزعيم: أنا فى حيرة.. بين شفاء‎ ‎ولدى والفضيحة ‏والتجريس الذى يمكن أن يلحق بنا.. تدخل مسلول ‏وقال: هل يأذن لى‎ ‎مولاى؟.. الزعيم: تكلم يا حكيم ‏الغبراء.. مسلول: جميعنا يلاحظ أن حبة قلوبنا وبؤبؤ‎ ‎عيوننا معلول يجهد نفسه كثيرا، هو لا يكاد يستريح ‏من عناء العمل، ليس لديه وقت‎ ‎للترويح عن النفس، ‏هو يصل الليل بالنهار والنهار بالليل، كأنه فى سباق ‏مع الزمن‎.. ‎لذا أرى يا مولاى أن يأخذ إجازة من العمل ‏ولو لفترة محدودة، يجدد فيها نشاطه‎ ‎ويستعيد حيويته، ‏ولا بأس يا مولاى أن يقضى معك هنا فى منتجع ‏شخلول بضعة أيام‎ ‎للاستجمام.. أرى أيضا يا مولاى ‏أن نبحث له عن قطيطة سنيورة نزوجه إياها، فهى‎ ‎الوحيدة التى يمكن أن تخرجه من وحدته وتدخل ‏السرور على قلبه، والقطيطات الجميلات‎ ‎عندنا ‏كثيرات، كما الهم على القلب.. صدقنى يا مولاى‎ ..‎
    ‎ ‎القطيطات يملكن مفاتيح القلوب والعقول ويحققن ما لا ‏يمكن تصوره من اتزان نفسى‎ ‎وعصبى ووجدانى.. ‏وخلال بضعة أيام سوف ترى أثر ذلك، سوف تجد ‏معلول قطا آخر، طبعة‎ ‎جديدة ومحسنة، «نيولوك» كما ‏يقول الذئاب والكلاب.. هلل الوزراء وكبروا للفكرة‎.. ‎حينئذ قال بلبول: ولِمَ لا يا مولاى ؟.. إن فكرة تغيير ‏الجو فكرة عظيمة، لكن ليس‎ ‎هناك داع لأن تكون فى ‏منتجع شخلول.. لابد من تغيير كل شىء يا مولاى، ‏الجو والأماكن‎ ‎والمشاهد والوجوه، حتى تلك التى ‏يألفها، وأقترح يا مولاى أن نستضيفه فى أى بقعة من‎ ‎البقع التى أقطعتنا إياها.. والألسنة كثيرة، شرقا وغربا ‏وشمالا وجنوبا.. أما‎ ‎بالنسبة لفكرة القطيطة السنيورة، ‏فأنا أؤيدها بشدة ومعها بكل قلبى ومشاعرى.. ثم‎ ‎استدرك قائلا: صحيح أننا نلقى الهوان على أيدى ‏قطيطاتنا، ونرى النكد فى الصباح‎ ‎والمساء، لكننا مع ‏ذلك كله سعداء.. سعداء جدا يا مولاى .. الزعيم: أرى ‏أننا وصلنا‎ ‎إلى نتيجة جيدة ويمكن أن نستكمل المناقشة ‏بعد تناول طعام الغذاء والراحة.. هيا‎ ‎بنا‎.‎
    ‎■ ■ ■‎
    اجتمع الوزراء حول الزعيم الذى استفتح الجلسة الثانية ‏بقوله: هل لأحد منكم‎ ‎ملاحظات حول ماقيل فى الجلسة ‏الأولى؟.. الوزير كشكول: أرى يا مولاى أننا لم نضع‎ ‎أيدينا على جوهر المشكلة.. الزعيم مقاطعاً: كيف؟.. ‏كشكول: لم يسأل أحدنا يا مولاى‎ ‎ما هى طبيعة الأحلام ‏والكوابيس التى يراها ولدنا معلول؟ ولم يسأل أحدنا ‏أيضا لماذا‎ ‎بدأت هذه الأحلام تنتابه منذ شهور قليلة ‏فقط؟.. الزعيم: هذا صحيح يا كشكول، لكن أنت‎ ‎معنا ‏فى فكرة تغيير الجو وأهمية الزواج‎.. ‎
    كشكول: نعم نعم يا مولاى، لكنها لن تحل المشكلة، ‏وأرى أن تقص علينا جلالتكم فحوى‎ ‎هذه الأحلام.. ‏الزعيم: معلول يرى أنه يمسك بكلتا يديه بهبرة ‏عظيمة، حتى إذا ما أوشك‎ ‎أن ينشب فيها أسنانه ‏وأنيابه، فوجئ بقط آخر ينازعه إياها وحوله مجموعة ‏من القطط‎ ‎البرية المستأسدة تحفزه وتظاهره، وفى ‏خلفية المشهد تقف تجمعات كثيرة من الذئاب‎ ‎والكلاب ‏والخنازير كأنها تنتظر ما تسفر عنه المنازعة.. ‏كشكول مستفسرا: ألا يوجد حول‎ ‎قطنا معلول أحد؟.. ‏الزعيم: يقول إنه دائما ما يلحظ خلفه الوزير سحلول ‏وبقية العسس،‎ ‎وقليلا من القطط السمان.. كشكول: ‏وعموم القطط؟.. الزعيم: ظاهر الأمر أنهم غير‎ ‎مهتمين بما يجرى.. كشكول: هل للقط الآخر سمات أو ‏علامات مميزة يا مولاى؟‎..‎
    ‎ ‎الزعيم: أبدا.. هو قط عادى، وليست عليه أى آثار ‏للمعاناة التى يضج منها عموم‎ ‎القطط فى المملكة.. ‏كشكول: المسألة واضحة يا مولاى ولا تحتاج إلى ‏تفسير أو تأويل‎.. ‎إنه القط سعفان الذى هبط على أرض ‏المملكة منذ شهور.. وأما الهبرة الكبرى فكلنا‎ ‎يعرفها يا ‏مولاى .. والسؤال الذى لا أدرى له إجابة هو: من ‏هؤلاء الخبثاء الذين‎ ‎أدخلوا فى رأس القط سعفان فكرة ‏المنازعة على الهبرة؟.. لاشك يا مولاى أن هذا هو ما‎ ‎يعانى منه معلول.. سحلول: أنا أتفق مع كشكول فى ‏هذا الرأى يا مولاى، وأرى أن ثمة‎ ‎جهة ما هى التى ‏أوعزت وأقنعت سعفان بهذه الفكرة، وأن هذه الجهة ‏مستفيدة من عرقلة‎ ‎معلول فى التهام الهبرة الكبرى، ‏فكل معلوماتنا تؤكد أن سعفان لم تكن لديه أى‎ ‎تطلعات‎..‎
    ‎ ‎الوزير مسلول: الغريب فى الأمر يا مولاى أن سعفان ‏غير رأيه بعد ذلك، فقد كان من‎ ‎الممكن أن يسعى إلى ‏الهبرة الكبرى من خلال إحدى القبائل، تعززه ‏وتناصره، لكنه آثر‎ ‎أن ينأى بنفسه عن المضى فى هذا ‏الطريق، بل إنه أعلن يا مولاى عن عدم رغبته فى‎ ‎الهبرة وتعلل بالقيود التى فرضناها بشأنها، ثم فوجئنا ‏به يتكلم فى موضوع آخر أثير‎ ‎وتصدعت به رؤوسنا ‏من قبل، هو يعلم أن الباب موصد أمامه تماما.. هذا ‏الوضع يا مولاى‎ ‎سوف يطمئن القط معلول ويجعله ‏يستعيد حيويته ونشاطه، وأظن يا مولاى أن الأحلام‎ ‎المفزعة والكوابيس لن تعاوده مرة ثانية.. الزعيم: ‏أزلتم عن صدرى هما ثقيلا وبدأت‎ ‎أشعر بالراحة ‏والاطمئنان، والسؤال الآن: هل تجرى الأمور فى ‏مسارها المأمول أم أن‎ ‎هناك معوقات تمنع من الوصول ‏إلى الهبرة الكبرى؟.. ثم أردف قائلا: قبل أن تجيبوا ‏سوف‎ ‎نستريح قليلا ثم نعود إلى الاجتماع مرة ثالثة ‏لنناقش هذا الأمر‎.‎
    فى الجلسة الثالثة قام الوزير سحلول باستعراض نقاط ‏القوة لديه، فقال: نحن جميعنا‎ ‎يا مولاى، أنا وكل ‏العسس، نقف خلف معلول بكل إمكاناتنا المادية ‏والمعنوية، الظاهرة‎ ‎والخفية، ونتحكم فى بعض ‏الأدوات المؤثرة والفاعلة على المستوى الجوى، ولدينا ‏كمية‎ ‎لابأس بها من السحالى والزواحف والحشرات ‏القارصة واللاسعة والماصة على المستوى‎ ‎البرى، ‏وجميعها يا مولاى على أهبة الاستعداد لتنفيذ ما ‏تأمرون به جلالتكم‎..‎
    ‎ ‎ثم نهض الوزير متوول وقال: وأنا يا مولاى أستطيع ‏تدبير الأمور الخارجية،‎ ‎إقليميا ودوليا، ولدينا سفراؤنا ‏وقناصلنا فى كل مكان، وهؤلاء يستطيعون حشد ‏وتهيئة‎ ‎الأجواء لدى إدارات الذئاب والكلاب والثعالب ‏والخنازير، فضلا عن جالياتنا القططية،‎ ‎لتكون فى ‏صف معلول.. الزعيم: أخشى أن يكون ما قلته كلاما ‏فى الهواء الطلق، خاصة أنه‎ ‎معروف عنك أن «قطك ‏جمل»، وأنك «تصنع من الحبة قبة‎»..‎
    ‎ ‎إحمر وجه متوول خجلا وقال: فى هذه المرة سوف ‏ترى يا مولاى ما تقر به عينك.. بعد‎ ‎ذلك قام الوزير ‏مخبول، فقال: أقترح يا مولاى أن تجند كل الوزارات، ‏بإداراتها‎ ‎وأقسامها المركزية واللامركزية وفروعها فى ‏كل مكان داخل المملكة للتخديم على مشروع‎ ‎الهبرة ‏الكبرى، وفى ظنى أن جميع القطط سوف تستبسل فى ‏الدفاع عن هذا المشروع لما له‎ ‎من فوائد عظيمة سوف ‏تعود عليهم وعلى المملكة بالخير العميم.. الزعيم: أنا ‏لا أريد‎ ‎كلام إنشاء.. أريد عملا.. منذ متى وأنا أسمع ‏هذا الغثاء؟ امتقع وجه مخبول ورد‎ ‎متلعثما: أنا.. أنا.. ‏أنا مجرد خادم مطيع يا مولاى، وما تأمرنى به ‏جلالتكم مستعد‎ ‎لتنفيذه فورا‎..‎
    ‎ ‎أشاح عنه الزعيم بوجهه ونظر إلى الوزير مقبول ‏وقال: وأنت يا مقبول ألا يوجد‎ ‎لديك شىء تقوله؟.. ‏مقبول: كنت منتظراً أن تأذن لى يا مولاى، ‏والموضوع الذى سأتكلم‎ ‎فيه يتعلق بإخواننا فى المملكة، ‏وهم كما تعلم جلالتكم يمثلون كتلة لا بأس بها،‎ ‎والحقيقة التى لا مراء فيها أنهم مع معلول بكل ‏مشاعرهم وعواطفهم، لكنهم يشعرون يا‎ ‎مولاى ببعض ‏الغبن ولهم بعض الطلبات، ولو أننا نظرنا إليهم بعين ‏العطف فسوف يكون ذلك‎ ‎محفزا ودافعا لهم.. الزعيم: ‏أنا لا أبخل عليهم بشىء وهم يتمتعون بأكثر مما يتمتع ‏به‎ ‎الآخرون.. مقبول: نعم نعم يا مولاى وهم لا ‏ينكرون ذلك، لكنهم يطمعون فى كرم‎ ‎جلالتكم‎.. ‎
    الزعيم موجها حديثه إلى الوزير مشغول: ماذا عن ‏القطط السمان؟.. مشغول: هؤلاء‎ ‎أهلنا وناسنا يا ‏مولاى، وجميعهم طوع بنان معلول، فخيره وكرمه ‏سابغ عليهم، ويشعرون‎ ‎هم ومن وراءهم أن حياتهم ‏ومصائرهم مرتبطة به، فلا تقلق من ناحيتهم.. حينذاك ‏صاح‎ ‎الوزير بهلول وكأنه قام من غفوة: ما هذه ‏الأراجيف التى نسمعها يا مولاى ؟.. كأننا‎ ‎فى كوكب ‏آخر.. إن سمعتنا أصبحت فى الحضيض، فهى تنافس ‏القطران وتتفوق على الزفت فى‎ ‎سواده ولزوجته‎.. ‎
    ثار الوزراء وتصايحوا وشوحوا بأيديهم فى وجهه.. ‏تدخل الزعيم وقال: اتركوه يقول‎ ‎كل ما عنده.. بهلول: ‏عموم القطط يا مولاى أصبحت فى حالة يرثى لها، ‏وهى تئن وتتوجع،‎ ‎وتشير بأصابع الاتهام إلى معلول ‏وحاشيته، ولا أظن أن الأرض سوف تكون مفروشة ‏بالورود‎ ‎أمام معلول كما يزعم إخوانى الوزراء.. لا ‏ينبغى أن نضحك على أنفسنا يا مولاى، لا‏‎ ‎تصدق أن ‏القطط المستأسدة هى فقط الرافضة لمشروع الهبرة ‏الكبرى، بل يشاركها فى ذلك‎ ‎عموم القطط.. كشكول: ‏مولاى، لقد نسى بهلول أن عموم القطط فى واد ‏والقطط المستأسدة‎ ‎فى واد آخر، بل إن عموم القطط ‏غير منشغلة بهذا الأمر من أصله وما يهمها هو قوت‎ ‎يومها.. مسلول: صحيح أن هذا هو حال عموم القطط ‏يا مولاى، لكننا يجب ألا نتجاهل‎ ‎مظاهر الرفض وعدم ‏الإستجابة لكل ما هو حكومى أو متعلق بالنظام.. لا ‏أخفى عليك يا‎ ‎مولاى، مشروع الهبرة الكبرى دونه ‏عقبات كثيرة، وما كان بالأمس يدور همسا أصبح اليوم‎ ‎على الملأ وفى الطريق العام‎.. ‎
    الزعيم: لنتجاوز هذه النقطة.. ما هى أخبار أحبابنا ‏الذين سيقومون بدور‎ ‎الكومبارس، وهل تم الترتيب ‏معهم؟.. سحلول: طبعا يا مولاى، وهم فى شوق ‏وحنان للقيام‎ ‎به وفق توجيهات جلالتكم.. الزعيم: ‏والقطط المستأسدة؟.. سحلول: هى رافضة بصرامة‎ ‎وإصرار لمشروع الهبرة الكبرى، وتدعى أن المملكة ‏زاخرة بقطط واعدة.. عموما هى لا‎ ‎تعدو أن تكون ‏ظاهرة صوتية، وسوف يتم التعامل معها بالأسلوب ‏الذى يرضى عنه مولاى‎.. ‎الزعيم: وماذا عن قبيلة ‏السلوان؟.. أراها تلعب دوراً خطراً هذه الأيام.. ‏سحلول: لا‎ ‎تحمل هما حيالها يا مولاى .. أنا أعرفها ‏جيدا ولى معها صولات وجولات.. هى غير‎ ‎منشغلة ‏على الإطلاق بالهبرة الكبرى، ولا بما دون ذلك من ‏الهبر.. همها الأول والوحيد‎ ‎أن نسمح لها بشىء من ‏البحبحة لتتواصل مع عموم القطط، وأن تجد لنفسها ‏موطئ قدم فى‎ ‎الحياة العامة‎..‎
    ‎ ‎الزعيم: لكنى أعرف أنها لا تتوقف عند حد، وهى ‏دائما تطمع فى المزيد، ويقال إن‏‎ ‎أعطيتها أصبعك ‏ابتلعت ذراعك، وإن سمحت لها بذراعك أكلت كتفك.. ‏هى تريد أن تقلب‎ ‎الطاولة علينا وتثير الدنيا من ‏حولنا.. نعم قدراتها محدودة وإمكاناتها متواضعة، ولا‎ ‎تستطيع أن تحول دون تحقيق أهدافنا ومرامينا، لكنها ‏تزعجنا بتوجيه سهامها إلينا‎ ‎وتأليب الرأى العام علينا، ‏خاصة فى مسألة الهبرة الكبرى.. سحلول: أنا معك يا ‏مولاى‎ ‎إنها لا تتوقف عن مهاجمة استبدادنا وملاحقة ‏فسادنا، كما أن لها موقفا مغايرا‎ ‎لموقفنا فيما يجرى ‏حولنا، إلا أنها تحت السيطرة تماما، ولا تستطيع أن ‏تقوم بعمل إلا‎ ‎فى حدود ما نسمح به، وفى إطار ‏المساحة التى نريدها‎..‎
    ‎ ‎ثم نحن نلاحقها بالقضايا العسكرية والحبس الاحتياطى ‏والاعتقالات والتضييق على‎ ‎الأرزاق وما إلى غير ‏ذلك.. لا تنس يا مولاى أنها من أهم عوامل الإتزان ‏فى المملكة،‎ ‎ولولاها لأصبحت معدلات الجريمة ‏والعنف الاجتماعى لا تطاق.. كما لا أخفى عليك يا‎ ‎مولاى أنها لا تمثل فى الحقيقة فزاعة لأى طرف، ‏وجلالتكم تعلمون أننا ندعى ذلك‎.. ‎مسلول: إذا كان ‏السلوان تحت السيطرة الكاملة كما تقول يا سحلول، ‏فلماذا لا نسمح لهم‎ ‎برخصة قبيلة، كما وفدان وجمعان ‏وجبهان وخسران؟‎.. ‎
    سحلول: يبدو أن الأمر ملتبس لديك يا مسلول.. هل ‏تريد أن نسمح لهم بقبيلة قانونية‎ ‎فتتجمع المملكة كلها ‏وراءها؟.. ثم من يضمن لنا أن مشروع الهبرة لن يقع ‏فى‎ ‎أيديهم؟!.. استطرد قائلا: عزيزى مسلول.. هذا ‏معناه أننا نضع نهايتنا بأيدينا.. وأنت‎ ‎طبعا لا يرضيك ‏ذلك.. نحن نريد قبيلة السلوان بوضعها الحالى، جزء ‏ظاهر وآخر خفى،‏‎ ‎وهذا الأخير نعرف عنه كل شىء.. ‏هذا الوضع يلائمنا للغاية، حيث يتيح لنا فرصة الضغط‎ ‎عليها وتوجيه ضربات انتقائية نوعية إليها بهدف ‏تحجيمها وتخويف عموم القطط‎ ‎منها‎..‎
    ‎ ‎الزعيم: أنا سعيد بهذا الكلام الذى أسمعه من سحلول، ‏وهو ما يجعلنى أتشبث به،‎ ‎وأرى أن يستمر فى ‏استراتيجيته التى أوضحها لنا، وحبذا لو كان الضغط ‏محسوبا لتحقيق‎ ‎أمرين، أولهما: بقاء جسم القبيلة على ‏حاله من الترقب والخوف من الرصد والملاحقة‎ ‎والمداهمة، فلا يمارس حريته فى الاجتماعات المفتوحة ‏ولا يأخذ حظه فى المناقشة‎ ‎والحوار والنقد والمحاسبة ‏من خلال شوراه، وبالتالى يفقد حيويته وقدرته على ‏الابتكار‎ ‎والإبداع، وثانيهما: السماح بقدر محدود من ‏الحركة فى المكان، فلا يقدر على التوسع‎ ‎والانتشار ولا ‏يصيبه انكفاء كامل على الذات بما يؤدى إلى التصدع ‏أو الانفجار‎..‎
    ‎ ‎سحلول: هذه توجيهات ثمينة يا مولاى سوف نضعها ‏موضع التنفيذ، فلا تحرمنا منها‎ ‎جلالتكم، ونحن مهما ‏تعلمنا سوف نظل تلاميذكم الأوفياء.. وليت القطط ‏المستأسدة ترانا‎ ‎اليوم وجلالتكم تدير هذا الحوار ‏الديمقراطى الرائع حتى تتعلم منه.. الزعيم: شكرا‎ ‎لكم.. انتهى الاجتماع، وسوف أتابعكم قطا قطا.. كل ‏فى مجاله وميدانه‎.‎

    كلمات مفتاحية  :
    القرد حكما مقالات اراء

    تعليقات الزوار ()